[align=justify]من الحكم الجميلة التي حفظتها وما زلت كذلك، وفي كل وقت أرددها وأتأملها جيداً، وأرى أنها حكمة رائعة وتحكي الواقع الذي عليه البشر (رضاء الناس غاية لا تُدرك).. وهذا صحيح إذ من الصعب أن تقول شيئاً أو تفعله أو تكتب شيئاً يكون مُرضياً للجميع، ومُوافِقاً لما يريدون أو تبعاً لهواهم، فيرضى عنك أناس ويغضب أناس، وقد عبَّر عن ذلك الشاعر الكبير بدر بن عواد الحويفي الحربي - حفظه الله - بأبيات شعبية جميلة ستبقى في الذاكرة لأنها تلامس الواقع:
الناس لو حاولت تكسب رضاهم
لا ارضيت لك واحد زعل منك عشرين
يما تجاملهم وتتبع هواهم
ولا تجنبهم يقولون مسكين
هذا وأنا مالي مقاصد وراهم
مهما سمعت وشفت بمجرد العين
مالي ورى جهيلهم واسفهاهم
لعلهم مني يكونون راضين
نعم لن يرضى عنك الكثير من الناس حتى يكون هواك تبعاً لهواهم.. وهذا بلا شك أمر صعب.. لأن المرء لا يسير على خطى ورأي الآخرين، بل على ما يظهر له أنه حق.. فإذا كان ما يقوله الآخرون حقاً وصحيحاً أخذ به وإلا تركه ولا يلتفت إليه وإن واجه منهم نقداً، مع أن النقد أمر لا بد منه، ولكن يا تُرى ماذا يفعل المرء حتى يرضى عن نفسه، ويسير في حياته مرتاح النفس مطمئن القلب، قرير العين؟! إن ذلك سهل وميسر لمن يسره الله عليه، وبحث عنه، وسعى لتحقيقه، فإذا أخلص نيته لخالقه في قوله وفعله وفي حركاته وسكناته، وأطاع ربه، واتبع هداه، ولم يقل إلا حقاً، ووثق من نفسه، لا عليه من كلام فلان وفلان من الناس، فمن وافقه فيما يقول فهذا حسن وجميل وهو المطلوب لأنه وافق الحق، ومن عارضه في ذلك وانتقده فلا يأبه بذلك طالما أنه على حق وما قال وفعل حق، وكذلك يفعل مع غيره فلا يأخذ منهم إلا الحق الموافق للكتاب والسنة، وهذا هو المنهج الصحيح الذي يجب أن نسير عليه بعيداً عن العواطف والمجاملة ومسايرة من لا همَّ له إلا تحقيق ما يريد ولو على حساب غيره، وحساب الحق المبين، وبالمختصر المفيد لن نستطيع أن نرضي الناس جميعاً، ولن يرضى بعضهم عن بعض جميعاً، لأن ذلك من ضروب المستحيل، وغاية لن يدركها أحد من البشر على البسيطة، ولكن نجتهد فيما نقول ونفعل ونخلص نيتنا لخالقنا في كل حركاتنا وسكناتنا ولا نقول ولا نفعل إلا حقاً، ولا نبحث عن رضا الناس عنا على حساب ديننا، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل، وفعلاً صدق من قال وأجاد في المقال: (رضاء الناس غاية لا تدرك)
[/align]