حين تعيد قراءة الأسماء الحسنى؛ ستجد مفاجأة بانتظارك !
ليس من بين هذه الأسماء المذكورة اسم تمحّض للأخذ والعقاب والعذاب .
فيها أسماء الرحمة والود واللطف ، وأسماء العلم والإحاطة ،
وأسماء الْخَلْق والرزق والإحياء والإماتة والتدبير ،
وأسماء القدرة والقوة ، وأسماء العلوّ والعظمة ،
وأسماء الجمال والجلال والكمال ..
فيها : الرحمن ، الرحيم ، الغفور ، السلام ، الوهّاب ،
الرزاق ، الفتاح ، اللطيف ، الجميل ، المجيب ، الودود ،
الصمد ، البر ، العفو ، الرؤوف ، الغني ، النور ،
الطيب ، المنان ، الجواد ، ذو الفضل ، .. إلخ
وليس فيها : المعذِّب ، المنتقم ، الآخذ ، الباطش ،...
ولذا كان النبي يقول في دعائه كما في الصحيحين:
" والشَّرُّ لَيسَ إليكَ "
ومعناه على التحقيق :
أن الشر لا يضاف إلى الله ،
لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أسمائه ،
فإنّ له الكمال المطلق من جميع الوجوه ،
وصفاته كلها صفات كمال يُحمد عليها ، ويُثنى عليه بها ،
وأفعاله كلها خير ورحمة وعدل وحكمة ، وأسماؤه كلها حسنى .
وأن هذا خير ما يسوق العباد إلى ربهم ، وهو شعور الحب
الذي يُجمِع العلماء على أنه أفضل شعور وأنبل إحساس ،
وأنه مُقدّم على الخوف وعلى الرجاء .
والحب لا يلغي الرجاء ، ولا يلغي الخوف ،
وهما في الفطرة الإنسانية,
ولذا كان الأنبياء يدعون ربهم
خوفاً وطمعاً ، وتضرعاً وخيفة ،
بيد أن تأمل الحكمة في اختصاص الأسماء الحسنى
بمعاني المدح المطلق ، والثناء المطلق ،
يسمح باقتباس هذا الدرس العظيم النافع
في الدعوة والتربية والبناء والتعليم .
من حق المعاني العظيمة أن تُقرر بعيداً عن المخاوف ،
وتأخذ حقها في النفوس ، وفي الدروس ، وفي الحياة العملية ،
دون أن نُصاب بداء الثنائية والحدّية؛
الذي يجعلنا نظن أن تقرير هذا المعنى يفضي إلى
إلغاء جانب الخوف أو الرهبة أو الوجل.
بل يقرر هذا في سياقه بأريحية تامّة ، ويقرر غيره بأريحية كذلك ،
وهي معانٍ تتكامل وتتعاضد ولا تتعاند .
ولو أننا قهرنا أنفسنا على هذا؛ لأورثنا فقهاً أوسع ،
وفتح لنا أبواباً من الخير ربما حرمناها بعجلتنا ،
ورحمة الله تعالى خير لنا من أعمالنا ،