بسم الله الرحمن الرحيم
متى يكون التواضع قيمة أخلاقية ؟
عندما تكون ممتلئاً كالسنابل المثقلة بالقمح فتنحني ،
فانحناؤك هنا لا يضرّ في مقدار ما تحمل من علم ومن قيم ومن ملكات أو إبداعات ،
بل سيزيّن صورتك في أذهان الناس ويحببك إليهم ،
لأ نّك حينئذ تجمع بين الحسنيين : قوتك وتواضعك ..
جمالك وتواضعك .. شبابك وتواضعك .. علمك وتواضعك ..
جاهك وتواضعك .. مهنتك وتواضعك .
فالتواضع لا يكون إلاّ مع الامتلاء ، ولا يسمّى تواضع الانسان الفارغ أو الخالي الوفاض
أو صفر اليدين تواضعاً ، وإنّما هو من باب
«رحم الله امرأً عرف حدّه فوقف عنده» .
وعلى أيّة حال فالتواضع من الجميع حسن ومن الممتلئين أحسن .
ولا تواضع مع المتكبرين ،
فالتكبر على المتكبر ـ كما في الحديث ـ عبادة .
2 ـ ثمة ترابط وثيق بين (التواضع) وبين (الرفعة)
كما أن هناك ترابطاً متيناً بين (الغرور) وبين (الضعة) .
ففي الحديث : «مَنْ تواضع لله رفعه»
أي أنّ الله سبحانه وتعالى يرفع من مقام المتواضع بما لا يجد المغرور المتكبر مثله
من احترام وإجلال وتقدير .
أمثلة من التواضع :
ـ كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
يحمل حاجاته بيديه ولا يسمح لغيره بحملها عنه ، ويقول :
«صاحب الحاجة أحقّ بحملها» .
ـ وكان (صلى الله عليه وآله وسلم)
يجالس الفقراء ويأكل معهم ويلاطفهم ويُحسن إليهم ويخفف من وقع هيبته في نفوسهم
حتى لا يتصوروه ملكاً فيهابون الدنوّ منه .
ـ وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلّم على جميع المسلمين بلا استثناء حتى الصغار منهم .
ـ وكان (صلى الله عليه وآله وسلم)
لا يجلس في المكان المميز ،
ويجلس حيث ينتهي به المجلس .
ـ وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ في السفر وفي الحضر ـ يشارك المسلمين أعمالهم
وخدماتهم سواء بسواء .
ـ وكان عيسى (عليه السلام)
يطلب من الحواريين أن يمدّوا أرجلهم ليغسلها لهم ،
فيقال له : نحن أحقّ بذلك يا روح الله فأنت سيِّدنا ونبيّنا ،
فيقول لهم : (سيِّد القوم خادمهم) .
ـ وكان علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) ـ وهو أمير المؤمنين ـ
يرفض أن يلحق الناس بدابّته كما يفعلون مع الأمراء تعظيماً لهم .
ـ وكان علي بن الحسين
إذا سافر في طريق خارجيّ اختار السفر مع أناس لا يعرفونه حتى يتولّى خدمتهم بنفسه .
أخيراً .. خطّ .. أو اطبع هذه المقولة الشريفة وضعها في مكان تراه دائماً :
«مَنْ كان ظاهره أكبر من باطنه خفّ ميزانه يوم الحساب ، ومَنْ كان باطنه أكبر من ظاهره
ثقل ميزانه يوم الحساب»
.