بسم الله الرحمن الرحيم
خرج الإمام أحمد [ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : الشتاء ربيع المؤمن ]
و خرجه البيهقي و غيره و زاد فيه : [ طال ليله فقامه و قصر نهاره فصامه ]
إنما كان الشتاء ربيع المؤمن لأنه يرتع فيه في بساتين الطاعات و يسرح في ميادين العبادات و ينزه قلبه في رياض الأعمال الميسرة فيه كما ترتع البهائم في مرعى الربيع فتسمن و تصلح أجسادها فكذلك يصلح دين المؤمن في الشتاء بما يسر الله فيه من الطاعات فإن المؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة و لا كلفة تحصل له من جوع و لا عطش فإن نهاره قصير بارد فلا يحس فيه بمشقة الصيام ، و في المسند و الترمذي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : [ الصيام في الشتاء الغنيمة الباردة ] و كان أبو هريرة رضي الله عنه يقول : أدلكم على الغنيمة الباردة ؟ قالوا : بلى فيقول : الصيام في الشتاء
و يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : مرحبا بالشتاء تنزل فيه البركة و يطول فيه الليل للقيام و يقصر فيه النهار للصيام
و إسباغ الوضوء في شدة البرد من أفضل الأعمال
و في صحيح مسلم [ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا و يرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : إسباغ الوضوء على الكاره و كثرة الخطا إلى المساجد و انتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط ] و في [ حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى ربه عز و جل يعني في المنام فقال له : يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قال : في الدرجات و الكفارات ؟ قال : و الكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات و نقل الأقدام إلى الجمعات ]
و في رواية : [ الجماعات و انتظار الصلاة بعد الصلاة من فعل ذلك عاش بخير و مات بخير و كان من خطيئته كيوم ولدته أمه ]
معالجة الوضوء في جوف الليل للتهجد موجب لرضا الرب و مباهات الملائكة ففي شدة البرد يتأكد ذلك
ففي المسند و صحيح ابن حبان [ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : رجلان من أمتي يقوم أحدهما من الليل فيعالج نفسه إلى الطهور و عليه عقد فيتوضأ فإذا وضأ يديه انحلت عقدة و إذا وضأ وجهه انحلت عقدة و إذا مسح رأسه انحلت عقدة و إذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب عز و جل للذين وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي هذا فهو له ]
و من فضائل الشتاء : أنه يذكر بزمهرير جهنم و يوجب الإستعاذةمنها :
و في [ حديث أبي هريرة و أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إذا كان يوم شديد البرد فإذا قال العبد : لا إله إلا الله ما أشد برد هذا اليوم : اللهم أجرني من زمهرير جهنم قال الله تعالى لجهنم : إن عبدا من عبادي استجار بي من زمهريرك و إني أشهدك أني قد أجرته ، قالوا ما زمهرير جهنم ، قال : بيت يلقى فيه الكافر فيتميز من شدة البرد ]
، في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم : [ إن لجهنم نفسين في الشتاء و نفسا في الصيف فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها و أشد ما تجدون من الحر من سمومها ] و روي عن ابن عباس قال : يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر و عن مجاهد قال : يهربون إلى الزمهرير فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض
فيا من تتلى عليه أوصاف جهنم و يشاهد تنفسها كل عام حتى يحس به و يتألم و هو مصر على ما يقتضي دخولها مع أنه يعلم ستعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم ألك صبر على سعيرها و زمهريرها ؟
قل و تكلم ما كان صلاحك يرجى و الله أعلم.
مختصر من كتاب ( لطائف المعارف فيما المواسم العام من وظائف ) للامام ابن رجب الحنبلي