وأنهي كلامي بموعظة مباركة قرأتها لو وعيَها القلب لوصل لدرجة القرب: “وحين يصدق المسلم في حبه لله تعالى ورسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يتحرّر به من ضغوط المادة ودوافع الغريزة، ونزوات الذات وألوان الوهن والضعف البشري، وتنتظم به حياته وفق قِيَم سماوية وموازين علوية. فيتجاوز شوطه سنين هذه الحياة الدنيا إلى الرغبة في العيش الأبدي، وتسمو أهدافه على حرث الدنيا ومتاعها إلى نعيم لا يحول ولا يزول. فحب المسلم لله ولرسوله حب رسالي مقدس: يجعل الشقاء سعادة في طاعتهما.. والسعادة شقاءً في عصيانهما.. والتعذيب راحة في سبيلهما.. والراحة عذاباً في مخالفتهما.. والموت حياة من أجلهما.. والحياة موتاً بدونهما“، {قالَ ربِّ السجنُ أحَبُّ إليّ ممّا يدعونني إليهِ}..”
قارئي الفاضل، إن كنت ممّن ابتليت بالعشق فبادر إلى الصالحات من الأعمال، واخلع ثوب الوهن والضعف، وأقبل على الله جل وعلا، واسجد واقترب، واعلم أنّ:
الحب للرحمن جل جـلاله ** وهو مستحق الحب والأشواق
فاصرفه للملك الجليل ولُذ به ** من كل ما تخشاه من إرهاق
شتان بين حبٍّ يمزق الجسد في سبيل الله فيرقى في جنان الخلد، وبين حبّ يمزّق ثوب الفضيلة ويدنّس.
أطلق صيحة التوبة والإياب وردِّد: {وعجلتُ إليك ربي لترضى}. واذرف دمعة ندمٍ، فهذا حبيبك محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتناول الحجر الأسود ويقول: “هنا تُسكَب العبرات يا عمر“! فلا ترضى أنت بالبكاء على الزبد! ولو كنت قد تعرّضت لبعض الزلل والخطأ في علاقة محرّمة فباب التوب مفتوح، وربّنا جلّ وعلا غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى.
ورد أن تائباً قال: يا رب أذنبت قال: وأنا غفرت، قال التائب: ذنوبي تجل عن الإحصاء، قال الرب: ولو بلغت عنان السماء، قال التائب: يا رب أهلكتني السيئات، قال التائب: يا رب تسامحنا على ما فات أما تحاسبنا على تلك الزلات؟ فقال الرب: بل أبدل السيئات حسنات، قال التائب: لا أكرم منك أحد، قال الله: أنا الصمد!
القارئ الكريم.. ألا تريد أن تكون من الذين آمنوا حقاً؟ ممّن قال الله جلّ وعلا فيهم: {والذين آمنوا أشد حبا لله}.
دعوة لقلبي قبل قلبك، ولنفسي قبل غيري، لعلّها تلقى صدى!
إذا كان حب الهائمين من الورى ** بليلى وسلمى يسلب اللب والعقلا
فماذا عسى أن يصنع الهائم الذي ** سرى قلبه شوقا إلى العالم الأعلى؟!
اللهم يا من قلوبنا بين أصبعين من أصابع رحمتك تقلبهم كيف تشاء، ثبّت قلوبنا على دينك. ولا تجعل أنسنا في غير ذكرك وطاعتك. ولا ترض لنا حباً دونك. واغفر لنا ما مضى. يا واسع الرحمة.
_____________________________
لا تنسونا من صالح دعائكم