الحمدلله القويّ المتين ، والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ..
فقد تهاون كثير من المسلمين بأنواع من المحرمات . إما جهلاً منهم بحرمتها ، واعتقاداً بأن النهي عنها إنما هو للتنزيه دون التحريم ، أو تهاوناً بالأمر ، وعدم اكتراث بحدود الحلال والحرام .
أما حقيقة هذه الأفعال . فقد أجمع العلماء على حرمتها ، بل منها ما عدُّوه من كبائر الذنوب والمعاصي ، وحذَّروا منه أشدَّ التحذير.
ومن ذلك ما جاء في حديث أبي ذرّ رضي الله عنه ، عن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم " قال : فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا ، مَن هم يا رسول الله ؟ قال : " المسْبلُ ، والمنَّان ، والمنفقُ سلعتَه بالحلفِ الكاذب " [ رواه مسلم ].
وإذا نظرنا إلى عقوبات أصحاب هذه الأصناف الثلاثة الواردة في الحديث وجدناها عظيمة جدًّا.
• فهم أولاً : لا يكلمهم الله يوم القيامة ؛ إهانةً لهم ، واحتقاراً لشأنهم .
• وكذلك لا ينظر إليهم ، بل يعرض عنهم ولا يرحمهم .
• ولا يزكيهم أي : لا يطهَّرهم من دنس ذنوبهم ، ولا يثني عليهم ، لأنهم ليسوا أهلاً لذلك .
• ولهم عذاب أليم ؛ أي : مؤلم . قال الواحديّ : هو العذاب الذي يَخْلُص إلى قلوبهم وجعُه .
وذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم هذه العقوبات ثلاث مراتٍ تأكيداً عليها ، ووصفهم أبو ذر بالخيبة والخسران ، فسكت النبيّ صلى الله عليه وسلم إقراراً لذلك .
ومع هذه العقوبات الكبيرة ، انتشرت هذه الأفعال المحرمة انتشار النار الهشيم .
فالإسبال صار هو الأصل في لباس الرجال اليوم ، مَن رحم الله عزَّ وجل ، بل إن تقصير الثياب صار أمراً مستنكراً في بعض البيئات ، وقد يكون مدعاة للسخرية والاستهزاء .
وأما المنُّ بالعطاء والحلف الكاذب .. فقد أصبح لهما نوعُ انتشار أيضاً في أخلاق الناس وتعاملاتهم .
وإتماماً للفائدة . سوف نذكر شيئاً مما ورد في هذه المحرمات الثلاثة رغبةً في الإصلاح ، ونُصحاً للمسلمين ، وتحذيراً من الوقوع فيما حرم الله عز وجل.
أولاً : الإسبال
الإسبال هو إرخاء الثوب أي إطالته أسفل من الكعبين . والكعب هو العظم الناشزُ في جانب القدم عند ملتقى الساق والقدم .
قال الله عز وجل (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ) [الإسراء : 37] ، والمرح : التبختر . ذكر ابن الجوزي وابن الحجر الهيتمي هذه الآية في كبيرة الإسبال .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار " [متفق عليه].
وفي رواية : "إزرة المؤمنِ إلى عضلة ساقه ، ثم إلى نصف ساقه ، ثم إلى كعبيه ، وما تحتالكعبين من الإزار ففي النار" [ رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني].
أما مَن جَرَّ ثوبه بطراً وكبراً ؛ فقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لا ينظر الله يوم القيامة إلى مَن جرَّ ثوبه خيلاء " [متفق عليه].
وقال أيضاً: " لا ينظر الله إلى مَنْ جَرَّ إزاره بطراً " [متفق عليه].
وقال : " مَن جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة " ، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله ! إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنك لست من يفعله خيلاء " [رواه البخاري] ، والخُيَلاء : الكبر والتعجب .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعَليَّ إزارٌ يتقعقع ، فقال : " مَن هذا؟ " قلت : عبدالله بن عمر .
قال : " إن كنت عبدالله فارفع إزارك " .
قال : "فرفعت إزاري إلى نصف الساقين ، فلم تزل إزرته حتى مات " [رواه أحمد].
ورفع الإزار أتقى لله ؛ لأنه طاعة وعبادة ، وأنقى للثوب من أن يصاب بالنجاسة والوسخ ، وأبقى له نظيفاً جديداً.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى " فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المنّ والأذى ، فلا يفي ثواب الصدقة بخطيئة المنّ والأذى" .
قال ابن حجر الهيتمي : " والمنّ هو أن يعدّد نعمته على الآخذ ، أو يذكرها لمن لا يحبُّ الآخذ اطلاعه عليه . وقيل : هو أن يرى أن لنفسه مزيةٌ على المتصدَّق عليه بإحسانه إليه . ولذلك لا ينبغي أن يطلب منه الدعاء ، ولا يطمع فيه ؛ لأنه ربما كان في مقابلة إحسانه ، فيسقط أجره ".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاقّ لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث. وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى " [رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني ].
وقال صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يقبل الله منهم يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً : عاق ، ومنان ، ومكذب بالقدر " [رواه الحاكم وابن أبي عاصم وحسَّنه الألباني ].
وما نُسِب للشافعي رحمه الله :
لا تحملنّ من الأنـــامِ عليك إحسانــاً ومنَّهْ
واختر لنفسك حظَّها واصبر فإن الصبر جُنَّهْ
مِنَـنُ الرجال على القلوب أشــــدُّ مــن وقـعِ الأسنَّهْ
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مَن حلف على مالِ امرئ مسلم بغير حقّه ، لقي الله وهو عليه غضبان " قال عبدالله : ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله – عز وجل -: ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ...) إلى آخر الآية. [متفق عليه].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتطع حقَّ امرئ مسلم بيمينه ، حرم الله عليه الجنة ، وأوجب عليه النار" قالوا يا رسول الله! وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال : " وإن كان قضيباً من أراك" [رواه مسلم].
نسأل الله تعالى أن يُحَلَّينا بالطاعات ، وأن يُجَمَّلنا بالقربات ، وأن يكرَّه إلينا المنكرات ، ويجنَّبنا إتيان المحرمات ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .
واتمنى للجميع الفائدة
توقيع
يارب يا رب يا رب
اللهم واجعلني من الراضي بقضائك . الصابر على اختبارك وابتلائك . وأعقب لي بعد الصبر فرجا , وبعد الضيق والعسر يسرا