د. محمد بن فهد القحطاني
إلغاء نظام الكفالة.......ما البديل؟

أدت الفروقات الشاسعة في الأجور بين الدول إلى بروز ظاهرة الهجرة الدولية للأيدي العاملة بهدف تحسين ظروف المعيشة من خلال الحصول على فرص وظيفية ذات أجور مرتفعة في بلدان الاحتياج مقارنة بالأجور المتواضعة في دول الفوائض العمالية. هذه الرغبة الملحّة في الانتقال دفعت حكومات بلدان الجذب إلى تطبيق إجراءات صارمة تهدف إلى القضاء على الهجرة غير الشرعية ووضع قوانين بقصد تنظيم تدفقات الأيدي العاملة الأجنبية فيما يخدم المصالح الوطنية العامة المتمثلة في قصر الفرص الوظيفية على القوى العاملة الوطنية وتحفيز القدرة التنافسية لقطاع الأعمال في مواجهة نظرائه الأجانب. لعل أقرب مثال في هذا الشأن هو إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على إبقاء اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا nafta) على حاله فيما يضمن حرية انسياب السلع بين الدول الأعضاء دون الارتقاء بالاتفاق إلى مرحلة السوق المشتركة التي تسمح بانتقال الأيدي العاملة خصوصاُ المكسيكية للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية مما قد يؤدي إلى بطالة في صفوف الأمريكيين في المهن متدنية المهارة، كما أقرت الولايات المتحدة الأمريكية قبيل بضع سنوات قانوناُ يسمح باستقدام أيدي أجنبية للعمل في نشاطات موسمية وفقاُ لعقود مؤقتة تشبه في صيغتها « نظام الكفالة» المتبع في سوق العمل السعودي.
ما برح نظام كفالة العمال الأجانب المعمول به في المملكة العربية السعودية يتعرض لانتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية حتى إنه لا يكاد يخلو أي تقرير صادر عن تلك المؤسسات دون الإشارة للواقع المزري للعمالة الأجنبية وأنهم يتعرضون لأبشع الاستغلال من قبل أرباب العمل الذين منحهم عقد الكفالة الجائر حق استعباد هؤلاء العمال الأجانب الذين لا حول لهم ولا قوة ولا منصف ولا نصير. إلا أن تلك التقارير الدولية تتناسى ثلاث نقاط أساسية فيما يتعلق بوجود العمال الأجانب وخضوعهم الطوعي لنظام الكفالة السعودي. أولاُ, أن الغالبية العظمى، إن لم يكن جميع، الوافدين قد أتوا للعمل بعد مناشدات وتوسلات قامت بها حكوماتهم لدى الحكومة السعودية حتى يتم توظيفهم وفق أنظمة العمل السائدة، وكذلك بعد عقد العديد من المباحثات وتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية. ثانياُ، يجب التنويه هنا أنه ليس فقط الأجانب هم الضحايا، بل إن المواطنين يعانون كذلك الحرمان من حقهم الطبيعي والمشروع في الحصول على وظيفة حيث أدى توافد العمال الأجانب إلى إقصائهم من سوق العمل ويتعرض الموظفون منهم إلى أبشع الاستغلال والتمييز العنصري والاضطهاد من رؤسائهم الأجانب الذين يسومونهم سوء العذاب من خلال الفصل التعسفي أو تعمد خلق ظروف طاردة لهم، كما ينزف الاقتصاد الوطني سنوياُ مبالغ فلكية يتم تحويلها للبلدان المصدرة للعمالة كما يعكس ذلك ميزان المدفوعات السعودي الذي يوضح حجم كلفة تواجد العمال الأجانب. ثالثاُ، أنا هنا لا أنكر وجود تجاوزات خطيرة في حق الوافدين ويعود الأمر إلى سوء استغلال صاحب العمل لعلاقة الكفالة التي تمنحه ريعا هائلا يطمح في استغلاله لأجل الحصول على مبالغ مالية من العامل، فلا بد إذن من إعادة صياغة تلك العلاقة لتصبح أكثر تكافؤا وتحفظ حقوق طرفي التعاقد.
لعل الحل يكمن في إصلاح نظام الكفالة عوضاً عن إلغائه كلياُ، وذلك من خلال تقليص صلاحيات صاحب العمل والقضاء التام على الريع الذي أدى ليس فقط إلى استغلال العمال الأجانب ولكن قاد كذلك إلى إغراق البلد بعمالة أجنبية تفوق الاحتياج الحقيقي. وفي هذا الصدد، فإن مقترح الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان والمتضمن تأسيس عدد كبير من الشركات المساهمة الوطنية المتخصصة في استقدام وتأجير خدمات العمالة يمثل حلاُ واقعياُ وعملياً للحفاظ على حقوق العامل ورب العمل، كما يستطيع تقليص والتحكم في حجم العمالة الأجنبية في الاقتصاد الوطني مما يعكس الاحتياجات الفعلية وليس وفقا لمنافع مالك الريع (الكفيل) الذي يغلّب مصالحه الفردية على المصالح الوطنية العليا.