ابو فتون ..:: عضو مميز ::..

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف خلقه محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين . أما بعد :
فإن للصِّيام أثرُه الواضح على قلب المسلم وعقلِه وحواسِّه، يتجسَّد في الاستقامة الشعوريَّة والفكريَّة والسلوكيَّة التي تغذيها العباداتُ والجوُّ الإيماني، ولئن كانتْ مرضاة الله هي المبتغى في الآخرة، فهي المبتغى في الدنيا أيضًا، وهي غايةٌ يمكن استثمارُ رصيد شهر الصيام لبلوغها، ومن أكبر الغَبَن أن يتناقص هذا الرصيدُ ويتلاشى بعد انقضاء رمضان، إنَّما الوضع الطبيعي اعتبار هذا الشهر محطَّةَ وقودٍ تُجدِّد الطاقةَ لمواصلة السير الحثيث في الطريق إلى الله - تعالى - وشتَّان بين المحطة التي تُعطي الدعمَ القوي، وبين الفترةِ الزمنية التي تنتهي من غير أن تترك أثرًا، أو تُعطي دفعًا.

وينظر المؤمن إلى انقضاء رمضان، فيرى كيف تُطوى الأعمار، وهو لا يدري أيدرك صيامَ العام المقبل، أم يكون في عِداد الموتى تحت أطباق الثَّرى؟ ذلك هو درس الحياة الدنيا: مهما طال العمرُ، فهو قصير، ومهما بدتِ النهاية بعيدةً، فهي في منتهى القرب؛ قال - تعالى -:
{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 112 - 114].
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35].
{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج: 6، 7].

من شأن هذه الفكرة أن تجعل المؤمنَ أكثرَ ذِكرًا للموت، وتعلُّقًا بالآخرة وهو في نشاطه الوظيفي أو السياسي أو التِّجاري، فيمسك عن الشهوات المحرَّمة التي تعجُّ بها الدنيا؛ ليفطر على الطيبات عند رب العالمين، فالجنَّة فيها "ما لا عينٌ رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، والإمساكُ عن الشهوات له انعكاساته الإيجابيةُ على الفرد والمجتمع؛ لما يُتيحه من ضوابطَ تقلِّل من المعاصي والجرائم، وتوسع دائرةَ الصلاح، وهذا من التحكُّم في النفس الذي يغرسه الصيامُ في النفوس، فيصبح المؤمن ذا شخصيَّة قويَّة تتحلَّى بالصبر بمعناه القرآني الفعال الحي في مجالات العطاء والقبض، والتحرُّك والسكون، والإقبال على الله، والتواصل مع الناس في معترك الحياة، خاصة في زمان تبرج فيه الفجور بكل أشكاله، لا يكون فيه من الصالحين إلاَّ من زكَّى نفسه بألوان من التربية؛ حتى يلجمَ نزواتِها لتستقيم على منهج الله - تعالى.

والحسرة كل الحسرة لمن يتخلَّى عن النفحات الرمضانية، ويكبِّل نفسه بقيود الدنيا، ويَقتل وقتَه وساعاتِ حياته مع باطلٍ ومنكر ولغو يوحي به التوجيهُ العلماني للمجتمع، باقتحام أعماق البيوت من خلال المسلسلات، حيث العري والفضائح المتنوعة، والاستواء على ساحات النشاط السياسي والتجاري والأدبي والفني، من خلال مبدأٍ شيطاني قاتلٍ، يتمثَّل في فصل هذه الأنشطة عن الأخلاق، وتعريتِها من الفضائل؛ حتى لا يبقى فيها موطنُ قدمٍ لأصحاب القيم والاستقامة، وهذا معترك يزاحِم فيه المؤمنُ ويقاوم، بفضل رصيد رمضان الشعوري والفكري والسلوكي، فيصحِّح المفاهيم، ويقوِّم الاعوجاج، ويجسد النموذج الراقي وهو يقف في وجه طوفان الانحرافات العقدية والسلوكية، كيف لا، وقد تعلَّم - وذكَّرتْه تلاواتُ التراويح إن كان قد نسي- أنه محور الكون؟! لأن الله - تعالى - كلَّفه:
• بالخلافة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30].
• والعبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
• والعمارة: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].

فما له ولتضييع الوقت والذوبان في المشاغل التافهة؟! إنما يستصحب نفحاتِ رمضان؛ لإصلاح نفسه وغيره طول السنة، ويغتنم شبابَه قبل هرمه، وصحتَه قبل مرضه، وحياتَه قبل موته، وغناه قبل فقره، ويسدي الخيرَ للناس، فإذا حدَّثتْه نفسه بشيء من الشح، تساءل: إلى متى وهو يأخذ ولا يُعطي، ويفكِّر في نفسه لا في غيره، ويتعلَّق بالدنيا ويتغافل عن الآخرة؟!

إنها رحلة شاقة من غير شك، لكن العاقبة كلها خير؛ {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40، 41]، ويُساعده في قطع المفاوز، وتجاوز العراقيلِ طولُ صحبةٍ لكتاب الله تلاوةً وتدبُّرًا وتطبيقًا، ومزيدٌ من نوافل الصلاة والصيام والصدقة، ورصيدٌ من الخشوع والدموع في محراب التعبُّد، ومزيدٌ من البذْل والعطاء في دنيا الناس محبةً وخدمة ودعوة، وتحكمًا في اللسان، وأدبًا في الكلام، وحسن معاشرة للأهل والجيران والزملاء والمتعاملين.

بمثل هذه المعاني يستثمر المسلمُ ثمراتِ رمضان الطيبةَ؛ ليستمرَّ في الطاعة، ويتجنَّب الانقطاع والرجوع إلى نقطة الصفر . والله يوفق الجميع للخير .
===============
كتبت وقد أيقنت يوم كتابتي*بأنّ يدي تفنى ويبقى كتابها
فإن عملت خيرا ستجزى بمثله*وإن عملت شرا علي حسابها

ج ـــلــنار ..:: نائبة المشرف العام ::..

جزاك الله خير ونفع بك وبموضوعك وجعله في ميزان حسناتك

جزيل الشكر لك

توقيع
سبحان الله وبحمده
سوارالذهب ..:: عضو مميز ::..

موضوع رائع جزاك اللة خيرا ونفع بعلمك

انوثهـ مجروحهـ كبار الشخصيات

الله يسعدك ويوفقك ويجزاك خير الدنيا والاخره ,,,

توقيع


عساك تبقى حي ياشايب لي
يابوي يالي مايساويك رجال



اللهم ارحم أهل سورية و قوِّهم و انصرهم و خذ حقهم ممن ظلمهم و أقم السنة فيهم و أعززها .
نوااارة ..:: كبار الاداريين ::..

جزااك الله خير على روووووووووووعة الطرح

ويعطيك العاافيه

توقيع

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2024, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية