همسة حب ..:: عضو مميز ::..

(( الجزء العاشر والأخير ))

لا يهمني حتى وإن استدعى رجال الأمن وهو مااعتقد إنه سيفعل .. فوليد في يد أمينة وسيحاولون علاجه بقدر استطاعتهم
كما أنهم لن يدعوا خاله ينعم بالراحة والأمان وهو الذي سجنهُ فترة طويلة منذ بداية مرضه الخطير ..
توالت الأحداث بعد ذلك سريعاً .. سقط زوجي مريضاً لا أدري هل هو أثر صدمة اختفاء وليد أم تساقط وريقات العمر آذنة
بالأفول ..لم أتوانى عن خدمته طوال فترة مرضه التي طالت , حتى فوجئت ذات يوم بشاب يبلغ قرابة السادسة والثلاثين
من العمر يقتحم المنزل دون استئذان ..سألته بخوف عما يريد .. اكتفى بأن وجه لي نظرة هازئة وهو يهتف :
ـ أهي أنتِ إذن , زوجة أبي ؟
ابتلعت صمتي ودموعي , وأخذت أرقب الموقف بين الأب وابنه من بعيد .. سمعته يصرخ بأبيه عالياً بعد لحظات :
ـ هذا ليس مكانك يا أبي .. مكانك الطبيعي هو بيتك الكبير إلى جوار أم أولادك ..
ثم خفض صوته لكن ليس لدرجة أن يغيب عن رهافة حسي !!
قال بصوت خفيض :
ـ إنها لن تهتم بك كأم أولادك .. إنها صغيرة ولن يهمها سوى نفسها .. إنها فضيحة يا أبي أن تموت خارج دارك ..
علا أنين الرجل المصدوم في أولاده .. قال بصوت ضعيف :
ـ أتريد لي أن أموت يا سليمان .. أهذه نهاية تربيتي لك .. أخرج .. فلن أغادر هذا البيت إلا إلى قبري ..
تناهى إلى سمعي بعدها أصوات بكاء وقبلات ودموع ثم غادر الشاب بدون أدنى كلمة يوجهها لي ..
أحسست بالخوف يقتحم عالمي بِعنف لِما يحدث حولي .. فكيف يحضر أحد أبنائه بهذه البساطة إلى بيتي وكأنني غير
موجودة فيه .. وهل يعجز زوجي المريض أن يرد لي اعتباري وكرامتي المجروحة .. وقبل أن أفيق من الصدمة , فوجئت
بزوجة زوجي الأولى وثلاث من بناته وأبنه ذاته الذي غادر منذ ساعات يدخلون بيتي بهدوء وثقة ..
توقفت زوجته أمامي بضع لحظات كانت كافية لأن توجه لي من خلالها نظرة احتقار واشمئزاز واضحة ولم يتبادل أحد منهم
معي أي حوار .. وصلوا مباشرة إلى حيث يرقد زوجي وأغلقوا الباب خلفهم .. وبعد دقائق لا أدري كم طالت خرج الجميع
بصحبته .. زوجي .. كان بادئ الضعف زائغ النظرات يكاد لا يقوى على الوقوف ..
قال لي قبل أن يغادر المنزل :
ـ سيعود أحمد لاصطحابك إلى بيت أهلك ..
رباه .. أهذه هي النهاية أعود إلى بيت أبي مرة أخرى .. وبعد عام طويل مرير من البعد عنه .. وماذا سيحدث لزوجي ..
وما معنى كلامه ذاك .. أكان تعبيراً مهذباً عن رغبته في طلاقي .. أهذا ماكنت أهوى وأتمنى .. لكن مابالي أعاني من الحزن
الضاغط المرير .. مابالي لست سعيدة بل ومكتئبة .. ألأنني سأعود لأبي الذي تخلى عني وزوجته التي باعتني بأبخس
الأثمان .. وأحمد ألا يقلقني مصيره .. ألست أحن لرؤيته ..
لم أفق من تساؤلاتي إلا على صوت الخادمة تسألني إذا كنت أريد العشاء الآن أم فيما بعد .. تركتها ومضيت أجمع حاجياتي
بحرص ودقة .. أشيائي الثمينة وأوراق العقار الذي كتبه زوجي بإسمي وملابسي وأحزاني الكثيرة .. وتوقعاتي التي لا حد
لها .. ولاح في فكري وليد .. يجب أن أعرف مصيره قبل أن أغادر هذا البيت .. لابد أن اطمئن عليه قبل أن أغادر إلى
مصير لا أدريه .. أدرت قرص الهاتف بالمستشفى الذي أودعت وليد لديه ..
فسألني الطبيب بحدة :
ـ من أنتِ ..
أجبت بصوت مهزوز :
ـ أ .. أخته .. شقيقته ..
أجاب بنفس الحدة :
ـ غريبة ألا تعرفين مصيره إلى الآن وأنتِ شقيقته .. ألا تعرفين بأنه مات ..
ودارت بي الدنيا ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أسارع لإغلاق سماعة الهاتف وكأنني أخمد أنفاس العذاب إلى الأبد .. وليد مات!!
لا .. لا .. ياربي إنه شاب لطيف ولا يستحق الموت أبداً .. لا .. لا ..
وانهرت باكية على سريري , لأفاجأ بظل شاحب ينعكس على وجهي .. قال بصوت عرفت نبرته :
ـ أتبكين أبي أم تبكين نفسك .. هيا استعدي للانتقال إلى دار أبيك .. أمامك عشر دقائق ثم تخرجين مرغمة ..
نظرت إليه من خلال دموعي .. كان جاداً في كلامه ودلائل القسوة تلون ملامحه نهضت بأسى وانا أهتف :
ـ انا جاهزة الآن ..
نظر إلي باحتقار قائلاً :
ـ هيا إذن ..

طرقت الباب برقة في البداية ثم توالت طرقاتي العنيفة بعد ذلك .. استقبلني أبي أمام الباب ..
تبادلنا نظرات الدهشة المؤلمة .. دهش لرؤيتي بعد هذه الفترة الطويلة , وأذهلني طلته الشاحبة خلال أمد قصير .. نحوله
المريع .. الشيب الذي كلل شعره الأسود الغزير .. وجهه الأصفر الذابل ..
بدا غير مرحب بوجودي أو هذا ما أوحي به صمته .. قطعت الصمت بصوتي المرتجف :
ـ كيف حالك يا أبي ؟
قادني إلى الداخل دون أن يجيب عن سؤالي .. وجدتها أمامي .. ذاتها .. بجمالها الشرس .. ونظراتها النفاذة .. ووجهها
البغيض المنفر .. لكن لا .. إنها ليست هي .. إن جمالها يعتريه شحوب واضح .. ونظراتها توحي بانكسار .. وجهها تغطيه
هالة من حزن لا يختلف عليه اثنان ..
مددت لها يداً باردة فتناولتها بكل لهفة .. تقبل يدي ودموعها تغرق وجهها ..
قالت بصوت مضطرب :
ـ منى .. حاولت كثيراً أن أتصل بكِ لكن أبوكِ رفض رفضاً قاطعاً خوفاً من إزعاجك او إفساد حياتك .. سامحيني يا منى ..
هنا فقط بدت الحقيقة واضحة أمامي كشمس منتصف النهار .. إنها مريضة .. طريحة الفراش والأدوية تملأ خزانتها
ودموع الألم والعذاب تغرق عينيها .. إذن نالت عقابها الرادع وإن فلتت من عقاب أبي .. رحمتك يارب ..
لأهرب من ألم الموقف .. تساءلت :
ـ أين أحمد ؟
امتلأت عينا أبي بالدموع دون أن يتفوه بحرف .. أعدت السؤال بصوت أكثر حدة :
ـ أين أحمد يا أبي .. أي مصير واجهه هذا البائس ؟
أجهشت بالبكاء على صدر أبي وبين ذراعيه وصرخاتي تشق السكون من حولي :
ـ أحمد مات واليوم بالذات .. فقد عاش شريداً طوال العام المنصرم ينتقل بين السجون بتهم مختلفة .. التسول .. السرقة ..
التشرد .. استنشاق المذيبات المتطايره .. التعدي على الغير .. خلافات صغيرة ومشاجرات كبيرة .. ضياع في ضياع ..
ثم بحور من الضياع وأخيراً دهسته إحدى السيارات السريعة اليوم .. هذا اليوم فقط .. مات ..
أهكذا يا أبي .. طفلك الوحيد الذي لم يكمل عامه الثاني عشر بعد , ينتهي هكذا , تائه ومعذب وشريد وكأن لا أهل له .. لقد
صدقت أمي رحمة الله عليها حين قالت بأن الأب الحنون هو الذي تكون معه الأم وغير ذلك لا يكون أباً على الأطلاق .. أبي
أيها القاتل .. لقد شردتنا وقتلتنا جميعاً .. تحت تأثير نزواتك ورغباتك وأنانيتك .. أمي ضحيتك الأولى ماتت وفي داخلها
جراح لم تندمل ونزيف لم يتوقف وقلب شبع هواناً وتحقيراً .. ماتت أمي وفي جسدها ألف طعنة ومرض غادر لم يصبها
إلا من قهرك وظلمك وعدوانك .. حبيبتي ريم الملاك الطاهر ماتت وفي حلقها غصة وحشرجتها دموع وآلاف اللعنات تطاردك
حتى في يومك الأخير في الدنيا .. ضحيتك التالية .. جرحت طفولتها الندية وفتحت عيناها البريئتان على عالم بشع لم تكن تعيه
أفهمتها أن الشقاء هو الأصل .. هو المنبع .. هو الأساس .. وإن السعادة ماهي إلا هنات راحلة .. زرعت داخلها أن الشقاق
هو ملح الحياة وأن الوفاق من الأطايب النادرة .. علمتها أن الخيانة هي الحياة وما عداها فروع لا قيمة لها .. سرقت منها
الطفولة والبراءة والسعادة وهم كيان طفل فقتلتها وهي على قيد الحياة .. عجلت برحيلها حين أدرت لها ظهرك وهي
في أمس الحاجة إليك .. لم تلاحظ انطفاءها التدريجي لأنك مشغول عنها بملذاتك ..
فماتت وهي تمقتك .. نعم هي أوصتني بك كثيراً .. لكنها لن تنسى لك مافعلته بنا ..
أحمد الطفل البائس الذي لم يرى منك خيراً قط رغم أنه ولدك الوحيد .. فتح عينيه على صراخك بسبب وبدون سبب ..
قتلته ألف مرة بمشاجراتك التي لا تنتهي وخلافاتك التي تفتعلها مع أقرب الناس لنا وخياناتك الموجعة .. ثم جاءت طعنتك
الأخيرة في الصميم وأصبته بمقتل .. أنت الذي قتلته يا أبي وليس أحد سواك حتى هذه الحية الرقطاء لم تكن إلا عاملاً
مساعداً أو أداة لقتله ليس غير .. قتلته حينما شردت أهله أمام عينيه , ثم وكأنك تطفئ سجارتك في قلبه بتعذيبك إياه
المتواصل وطرده من البيت وتجويعه وتشريده حتى أضحى من المتشردين السوقة وهو ابن عائلة وله أصل مرموق ..
وفي الأخير يموت كقطة متشردة تحت عجلات سيارة .. يالها من نهاية يا أبي .. ويالك من ظالم ..
ألم أكن انا من جملة ضحاياك .. ألم تقتلني بتعذيبك لأمي كل يوم بل كل دقيقة .. لقد سلبت منا الأمن والأمان وتركتنا نعيش
على حافة جرف لا ندري هل تستقيم الحياة بنا أم تجرفنا الهاوية يوماً ما .. أرتقب النهاية ويدي على قلبي .. وكل النهايات
تعيسة .. فقدت أمي ثم فقدت شقيقتي .. ثم فقدت شقيقي الوحيد ..وقبلهما فقدت نفسي .. فقدت سعادتي واطمئناني .. لم
أعش يوماً كمراهقة تفتح ذراعيها للعالم وتفكر بالمستقبل .. بل أدرت ظهري للدنيا وعشت في الماضي بكل مآسيه ..
سرقت مني أحلامي وطموحاتي وحتى شبابي .. حتى شبابي ومستقبلي بعتهما لشيخ عجوز على مشارف قبره ,وكأنك
تدفنني معه .. لقد نجحت يا أبي .. أنني أهنيك يا أبي فقد قتلتنا جميعاً .. وقضيت علينا كما تهوى وتتمنى بأنانيتك
وحمقك ونزواتك ..
تحسست مفاتيح بيتي الجديد في جيبي ثم استدرت لأخرج .. استوقفني أبي ودموعه تهطل بغزارة وتبلل لحيته الكثة
ثم تسيل على ثيابه ..
ـ صدقيني يا بنيتي ليس لي ذنب في موت أحمد ..
نظرت إليه بإشفاق .. ثم ربت على كتفه هامسة :
ـ مكاني ليس هنا يا أبي ..
ألقيت على زوجته نظرة عابرة قائلة :
ـ لاتخشى شيئاً من أجلي .. فلي بيت خاص وأملاكي الخاصة ولن أحتاج لأحد بعد الآن ..
جاءني صوتها متهافتاً ضعيفاً :
ـ أرجوكِ يا منى سامحيني .. لقد أخطأت في حقك كثيراً , وقد فعلت الكثير والكثير حتى انتهيت طريحة الفراش كما ترين ,
ولا أمل لي في حياة سوية كبقية البشر .. هذا إذا بقيت على قيد الحياة .. منى أنني أتوسل إليك أن تغفري لي ..
ثم أجهشت بالبكاء .. وقفت بالباب مترددة ثم همست قبل أن أخرج :
ـ الله هو الذي يغفر الذنوب جميعاً سبحانه ..


(( تمــــت )) ...

همسة حب ..:: عضو مميز ::..

أرجو التفاعل والتقييم

أغ ـــانيج ..:: كبار الاداريين ::..

راااااااااااااااااااااااااااااااائعه جدا جدا جدا


وطويله جدا جدا

كنت اتمنى لو كان كل جزء بموضوع لوحده حتى يأخذ حقه من التفاعل

يعطيك الف الف عافيه يالغلا

مشكوره ام الحبيب وانتظر جديدك

لا تحرمينا

توقيع
الحب دعاااااء
فمن يحمل في قلبه حبا لي ...
فليذكرني بدعوه ,,
يعلم الله كم احتاجها :111:
سامحوني على الغياب
ظروفي لا تسمح لي بدخول المنتدى هذه الفتره
وسامحوني ان طاال هذا الغياب ولم اعد

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2024, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية