الزواج - وتسوس الأسنان

- قد يكون العنوان طريفا ولكن ما تحته حتما سيكون أطرف .. عندما بدأت الكتابة عن أيام الخطوبة والزفاف كان علي ان أطالع الكثير من الكتب الخاصة بهذا الموضوع .. ولكن الطريف أنني كنت بالأمس أطالع كتابا للكاتب ذو القلم الذهبي الساخر .. الكاتب الصديق / خالد القشطيني / صاحب زاوية صباح الخير في جريدة الشرق الأوسط .. ووصفته بالصديق ربما للمراسلات العديدة التي جرت بيننا في أوائل التسعينات من القرن الفائت .. وكتابه هذا اسمه أيضا / صباح الخير / جمع فيه ما لذ وطاب من مقالاته التي كتبها في زاويته اليومية في الجريدة التي تصدر في لندن .. ووجه الطرافة ان هذا الكتاب ليس من المهتمين بشؤون الزواج والطلاق وما شابه ذلك ولكن وجدت فيه مقالة أحببت ان اطلع رواد صفحتي عليها .. وهي تحت عنوان " الزواج وتسوس الأسنان "

- غريب كيف ينتقل الحديث بالمناسبة من موضوع إلى موضوع , كنا نتحدث يوم أمس عن البطيخ الفاسد وغش البقالين , فإذا بنا نجد أنفسنا نتكلم عن تصريحات الرئيس الأمريكي .. بصدد المسألة الفلسطينية , بالطبع من الممكن لإنسان ان يجد بعض العلاقة من حيث اشتراك الموضوعين بعنصر الغش والمخادعة .. ولكن لا يمكن في الواقع ان نجد مبررا عقلانيا لربط الشيئين معا , البطيخ وأمريكا و ومع ذلك فهذا بالضبط ما حصل ..

وبعدها أخذنا نتحدث عن الأسنان ووجع الأسنان وتسوسها , فإذا بصديقي عبد المعبود ينقل الموضوع رأسا ومباشرة الى موضوع الزواج , لقد عرفنا الكثير من حيث ان الزواج غالبا ما يؤدي إلى تقرح الكبد ويكسر الظهر ويعطل الطحال ويقرب الأجل ويورث الكساح والجذام وضغط الدم والسكري , ولكننا لم نسمع قط انه يسوس الأسنان أيضا , بيد ان صاحبنا عبد المعبود أعاد ما قال وأضاف فقال " نعم وأنا تلفت كل أسناني بسبب زواج أخي عبد الخالق " أمر عجيب !!

وأعجب منه ان تتلف أسنانك بسبب زواج أخيك الأكبر وليس زواجك أنت .. ما علاقة زواج عبد الخالق بأسنانك ؟ ؟

هات ما عندك ودعنا نسمع قصتك :- قال , كنت في السابعة من عمري عندما كلف اخي والدتي وخالاتي بالبحث عن زوجة له .. ثم ناداني وألقى علي الخطبة .. قال " اسمع يا عبودي يا حبيبي , نحن الرجال يجب ان نتكاتف ونتضامن أمام كل المكايد والحيل من النسوان , وأمامك الآن فرصة للتمرين والتجربة , أريد منك ان تروح مع الخطابات , أمك وخالاتك , وتنظر نظرة فاحصة على المخطوبة , وتعطيني أدق تقرير عنها " طولها - طول منخارها - لون عيونها - عرض بطنها - كيف رائحتها - شلون تمشي وتقعد وتوقف - وكل شيء "

وبالطبع كانت المخطوبات خبيرات بهذه الجولات الاستطلاعية وسر وجود هذا الصبي بين وفد الخطابات , وكن يعرفن كيف يعالجن أمره , كيس من الشكولاته الممتازة مع أوقية من أحسن الحلوى المسقطية تضمن للمخطوبة أحسن شهادة , يعود عبودي الى البيت ويدلي بها لأخيه الكبير " وجهها كالبدر في الليلة الرابعة عشرة , شعرها كجديلة من ذهب الإبريز , عينها كبركة من ماء كوثر , قامتها كغصن ألبان ... الخ "

" اسمع ! اسمع ! " قلت لصاحبي مقاطعا إياه ومن علمك كل هذا الكلام وعرفك بالذهب الإبريز وماء كوثر , وغصن ألبان و..و.. " أجابني قائلا من قصص ألف ليلة وليلة للأطفال كنت أخرج هذا الكتاب كلما كلفني عبد الخالق بهذه المهمة فاحفظ هذه الأوصاف , هذا اذا كانت الشكولاته من نستلة جيدة , والحلوى محشوة جيدا باللوز والفستق , اما اذا كانت رديئة ومن صنع محلي رديء , فأعطي شهادة مختلفة تماما - عيونها تصبح كعيون الخفاش في عز الظهيرة , وشعرها كحبال السفن المهجورة وظهرها كسنام البعير الأجرب .. فينسحب أخي من الخطبة فورا , ثم كشر عبد المعبود عن فمه " هه ! شوف هذه هي النتيجة " وأشار الى أسنانه المهشمة التي أكلتها النستلة والحلوى المسقطية ولما كان الأخ عبد الخالق دقيقا في الاختيار ومتشددا في القرار , فقد استغرقت الخطو بات وتبادل الوفود والمؤتمرات والمساومات سنوات وسنوات , قبل أن يتوصل الى الاقتران بزوجته الحالية أم فؤاد , مما الحق أضرارا جسيمة بأسنان صاحبنا المسكين عبد المعبود ..

أما كيف تم الزواج الميمون واستقر القرار النهائي .. فالفضل كله يعود الى لوذعية ام فؤاد وعبقريتها في صنع حلوى الزعفران باللوز والقرنفل ما أن وضع الصبي عبد المعبود لقمة منها في حلقه , حتى غص بلعابه وأسرع إلى البيت ليخرج كتاب " حكايات ألف ليلة وليلة للأطفال " ويفتش فيها عن ابلغ وصف لكمال الجمال وما يفوق الواقع والخيال .. بل ويتذكر عبد المعبود انه راجع حتى معلقة امرؤ القيس وحفظ منها ما يناسب تلاوته على أخيه .. وما زال يذكر منها " بيضاء غير مفاضة , تر ائبها تلمع كالسجنجل .." ولكن عبودي كان يتصور أن السجنجل هو شربة السنجبيل ..

وخطر لي أن أسأل عن مصير العروسين , وأحوالهما وما تمخضت عنه تقارير عبودي التي تضاهي في موضوعيتها ودقتها حسابات الجامعة العربية , وما قد أسفر عنه ذلك القران من سعادة أو تعاسة ..

أوه .. في أتم السعادة والنعيم , انجح زواج سمعت عنه في حياتي !!!

قال صاحبي وأضاف بحماس ملحوظ " لقد رزق بولدين ويعيش الآن في الجماهيرية الليبية , يحوش فلوس في النهار ويضحك على تصريحات الحكومة في الليل .. ولا ينقصه شيء غير الأسنان , لقد راحت كلها بفضل الحلاوة الزعفرانية شغل الأخت أم فؤاد "