النقد البنّاء .



د. دعاء أحمد راجح .

تقول عن النقد:



جاءتنى سيدة متزوجة منذ خمس سنوات و بادرت بالقول : انا اعيش مع زوجى حياة هادئة سعيدة و لا ينغص حياتى الا عصبيته الشديدة و التى حاولت بكل الطرق تغييرها و لكن بدون فائدة...حاولت معه بالنصح و الارشاد ...حاولت بالبكاء و صراخ ....تحدثت مع اهله و نصحوه و لكن تمر الايام و لم يبذل اى جهد فى محاولة اصلاح نفسه

فقلت لها : اختاه ....احب ان انبهك الى ان هذه الدنيا هى دار ابتلاء و ليست دار راحة ...فسعادتها ناقصة و هناؤها محدود بالزمان و المكان فالبحث عن السعادة الكاملة فيها هو ضرب من الخيال

و نحن النساء بما فطرنا الله عليه من حب الجمال ...نحب ان نرى كل ما حولنا جميلا ..نحب ان نرى بيوتنا تحفة فنية ......نحب ان نرى أبنائنا نماذج رائعة ....نحب ان نرى أزواجنا رجال متميزون ...دوما نسعى الى كمال الصورة و وننسى ان نبدأ بانفسنا و ننسى ان الكمال لله وحده

بل و نلجأ فى كثير من الأحيان إلى أساليب خاطئة لإصلاح الخلل فيمن حولنا و نحاول بعدة وسائل غير فعالة و عندما لا نجد النتيجة المطلوبة نلقى باللائمة على الطرف الآخر ولا نحاول النظر إلى داخلنا

حبيبتى :

الرجل عموما و خاصة الرجل العربى ينظر الى الصورة بشكل اكثر واقعية ....فهو يعلم تماما انه ناقص و يعلم عيبه تماما و لكنه لا يسعى إلى الكمال و مع محاولاتك المستمرة لتنبيهه الى عيبه و الى وجوب اصلاحه انت تطعنيه فى رجولته و فى قوامته انك ترسلين له رسالة مفادها : انت بهذا الطبع غير صالح ان تكون رجلى الذى اعتمد عليه و احبه

و هذه الرسالة تجعله يأبى التغيير و يصبح معاندا سلبيا تجاه احداث اى تغيير فى شخصيته
اختاه ...تقبلى زوجك كما هو ..اشعريه بحبك و عطفك و قربك ...اشعريه انك تحبيه حتى و ان لم يتغير
ان فن التمكن من قلب الزوج هو ألا تحاولي تغييره و تحسينه و ألا يشعر بذلك

و لكن هل معنى هذا ان تكتمى مشاعر الاحباط و الالم و الغضب التى تنتابك ؟


لا سيدتى ...لا تكتميها و لكن تدربى على التعبير عنها باسلوب صحيح لا يجرح الطرف الاخر و يجعله اكثر تقبلا
ان النقد من اسوا الكلمات التى يمكن ان نتلقاها خلال تواصلنا مع الآخرين ...فهو يسبب مشاعر سلبية شديدة مهما كنا على قناعة تامة بصحته و يعتد مدى الاثر النفسى السلبى على المستوى النفسى الذى يوجه اليه النقد النقد يمكن ان يوجه لعدة مستويات من تكويننا النفسى و الوجدانى و يختلف الاثر النفسى الذى يحدثه هذا النقد على الطرف الآخر تبعا لمستوى النقد

فهناك نقد الهوية وهو النقد الموجه للشخصية و الذات مثل قولك ( انت عصبى المزاج )


و هذا من اسوا انواع النقد و اكثرها اثارة للشخص المنقود


و هناك نقدا للقيم و الافكار التى يحملها مثل قول : (انت لا تؤمن بأهمية كظم الغيظ )


و هناك نقد للمهارات و القدرات : (انت لا تعرف كيفية السيطرة على مشاعرك السلبية)


و فى اقل الدرجات هناك النقد للسلوك كقول (أنت لم تستطع التحكم فى غضبك فى هذا الموقف )..النقد هنا اكثر تحديدا لسلوك فى وقت و مكان معين
ثم نقد البيئة : (اعلم ان الموقف او الشخص الفلانى كان مثيرا للغضب بشدة )...النقد هنا لا يلقى باللوم على الشخص نفسه بل يحمل البيئة المحيطة المسئولية و هذا اقل درجات النقد اثارة للمشاعر السلبية

فكلما كان النقد فى اتجاه المستويات الأدنى ( السلوك و البيئة ) كانت المشاعر السلبية الناجمة عنه اقل حدة و كان النقد نفسه اكثر تقبلا
و كلما كان النقد على المستويات الأعلى (الهوية و القيم ) كلما كان جارحا و اقل تقبلا من الطرف الآخر

وكما يعتمد مدى تقبل النقد على مستوى النقد يعتمد ايضا على اسلوبه و طريقته فلكى يكون النقد بناء و ليس هداما و جارحا

• ابدئي بذكر المحاسن و الايجابيات في زوجك و اثرها عليك مثل: احبك لانك انسان خلوق ...يعجبنى التزامك الدينى ...


• كوني محددة في النقد : اطرحي نقطة القصور على مستوى السلوك أو البيئة


مثل :اعلم ان الولاد كانوا مثيرى للغضب و لم تستطع التحكم فى مشاعرك عندما عدت الى المنزل البارحة


• اقترحي حلولا : قدمي بعض الحلول التي تعينه على كظم غيظه عند الغضب فى المرة القادمة


مثل : كنت اتمنى ان تشير الى بان اعمل على تهدئتهم او ابعادهم عن المكان




هذا يجعل زوجك يشعر ان لديك رغبة شديدة فى ارادة الخير له و ليس نقدك بهدف التقليل من قيمته


• احذري ان يكون النقد أمام أهلك أو أهله أو اى طرف آخر بل على انفراد ...كذلك احذري ان يصله نقدك له من هذه الأطراف


• إن يكون نقداً حساساً و رقيقا يشعر به الزوج بتعاطفك و حبك وليس بغضبك و لومك


• و اخيرا اجعلى دوما النهاية سعيدة بالتذكير بالحسنات التى ترينها فى زوجك ...انت اب رائع و الاولاد يحبونك

عزيزتى .. تدربى على هذا الاسلوب الفعال واستعيني بالله و اكثرى من الدعاء لزوجك و عليك بالصبر فان القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء
و تذكرى ان بداية الطريق دوما هو ان تبدئى بنفسك


و تذكري دوما قول الله عز وجل:


( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )