مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



حكاية علي بن البكار مع شمس النهار

الليلة الرابعة والثمانين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أنه كان في قديم الزمان في خلافة هارون الرشيد رجل تاجر له ولد يسمى أبا الحسن علي بن طاهر وكان كثير المال والنوال حسن الصورة محبوباً عند كل من يراه وكان يدخل دار الخلافة من غير إذن ويحبه جميع سراري الخليفة وجواريه وكان ينادمه وينشد عنده الأشعار ويحدثه بنوادر الأخبار إلا أنه كان يبيع ويشتري في سوق التجار وكان يجلس على دكانه شاب من أولاد ملوك العجم يقال له علي بن بكار وكان ذلك الشاب مليح القامة ظريف الشكل كامل الصورة مورد الخدين مقرون الحاجبين عذب الكلام ضاحك السن يحب البسط والإنشراح فاتفق لهما كانا جالسين يتحدثان ويضحكان وإذا بعشر جوار كأنهن الأقمار وكل منهن ذات حسن وجمال وقد واعتدال وبينهن صبية راكبة على بغلة بسرج مزركش ، له ركاب من الذهب كما قال فيها الشاعر :
لها بشر مثل الحـرير ومنـطـق ........ رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر
وعينان قال الله كونا فـكـانـتـا ........ فعولان بالألباب ما تفعل الخمـر
فيا حبها زدني جوى كـل لـيلـة ........ ويا سلوة الأحباب موعدك الحشر
فلما وصلوا إلى دكان أبي الحسن نزلت عن البغلة وجلست على دكانه فسلمت عليه وسلم عليها فلما رآها علي بن كار سلبت عقله وأراد القيام فقالت له :
اجلس مكانك كيف تذهب إذا حضرنا هذا ما هو إنصاف ؟
فقال علي بن بكار :
والله يا سيدتي إني هارب مما رأيت وما أحسن قول الشاعر :
هي الشمس مسكنها في السماء ........ فعز الفؤاد عـزاء جـمـيلا
فلن تستطيع إليهـا صـعـوداً ........ ولن تستطـيع إلـيك نـزولا
فلما سمعت ذلك الكلام تبسمت وقالت لأبي الحسن :
ما اسم هذا الفتى ومن أين هو ؟
فقال لها أبي الحسن :
هذا غريب اسمه علي بن بكار بن ملك العجم والغريب يجب إكرامه .
فقالت له :
إذا جاءتك جاريتي فارسله لعندي .
فقال أبو الحسن :
على الرأس .
ثم قامت وتوجهت إلى حال سبيلها .
هذا ما كان من أمرها .
وأما ما كان من أمر علي بن بكار فإنه صار لا يعرف ما يقول وبعد ساعة جاءت الجارية إلى أبي الحسن وقالت :
إن سيدتي تطلبك أنت ورفيقك .
فنهض أبو الحسن وأخذ معه علي بن بكار وتوجها إلى دار هارون الرشيد فأدخلتهما في مقصورة وأجلستهما وإذا بالموائد وضعت قدامهما فأكلا وغسلا أيديهما ، ثم أحضرت لهما الشراب فشربا ، ثم أمرتهما بالقيام فقاما معها وأدخلتهما مقصورة أخرى مركبة على أربعة أعمدة وهي مفروشة بأنواع الفرش مزينة بأحسن الزينة ، كأنها من قصور الجنان اندهشا مما عاينا من التحف .
فبينما هما يتفرجان على هذه الغرائب وإذا بعشر جوار أقبلن وبينهن جارية اسمها شمس النهار كأنها القمر بين النجوم وهي متوحشة تفاضل شعرها وعليها لباس أزرق أزرار من الحرير بطراز من الذهب وفي وسطها حياصة مرصعة بأنواع الجواهر ولم تزل تتبختر حتى جلست على السرير فلما رآها علي بن بكار أنشد هذه الأشعار :
إن هذي هي ابتداء سقـامـي ........ وتمادي وجدي وطول غرامي
عندها قد رأيت نفسـي ذابـت ........ من ولوعي بها وبري عظامي
فلما فرغ من شعره قال لأبي الحسن :
لو عملت معي خيراً كنت أخبرتني بهذه الأمور قبل الدخول هنا لأجل أن أوطن نفسي وأصبرها على ما أصابها .
ثم بكى وأن واشتكى فقال له أبو الحسن :
يا أخي أنا ما أردت لك إلا الخير ولكن خشيت أن أعلمك بذلك فيلحقك من الوجد ما يصدك عن لقائها ويحيل بينك وبين وصالها فطب نفساً وقر عيناً فهي بسعدك مقبلة وللقائك متوصلة .
فقال علي بن بكار :
ما اسم هذه الصبية ؟
فقال أبو الحسن :
تسمى شمس النهار وهي من محاظي أمير المؤمنين هارون الرشيد وهذا المكان قصر الخلافة .
ثم إن شمس النهار جلست وتأملت محاسن علي بن بكار وتأمل هو حسنها واشتغلا بحب بعضهما وقد أمرت الجواري أن تجلس كل واحدة منهن في مكانها على سرير ، فجلست كل واحدة قبال طاقة وأمرتهن بالغناء فتسلمت واحدة منهن العود وأنشدت تقول :
أعد الرسالة ثـانـية ........ وخذ الجواب علانية
وإليك يا ملك الملاح ........ وقفت أشكو حالـيه
مولاي يا قلبي العزيز ........ ويا حياتي الغـالـية
أنعم علي بـقـبـلة ........ هبة وإلا عــارية
وأردها لك لا عدمت ........ بعينها وكمـا هـي
وإذا أردت زيــادة ........ خذها ونفسي راضية
يا ملبسي ثوب الرضا ........ يهنيك ثوب العافـية
فطرب علي بن بكار وقال :
زيديني من مثل هذا الشعر .
فحركت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار :
من كثرة البعد يا حبيبـي ........ علمت طول البكا جفوني
يا حظ عيني ومـنـاهـا ........ ومنتهى غايتـي ودينـي
ارث لمن طرفه غـريـق ........ في عبرة الواله الحزين
فلما فرغت من شعرها قالت شمس النهار لجارية غيرها :
أنشدي .
فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات :
سكرت من لحظه لا من مدامته ........ ومال بالنوم عن عيني تمايلـه
فما السلاف سلتني بل سوالفـه ........ والشمول شلتني بل شمـائلـه
لوى بعزمي أصداغاً لوين لـه ........ وغالى عقلي بما تهوى غلائله
فلما سمعت شمس النهار إنشاد الجاري تنهدت وأعجبها الشعر ثم أمرت جارية أخرى أن تغني فأنشدت هذه الأبيات :
وجه لمصباح السمـاء مباهـي ........ يبدو الشباب عليه رشح مـياه
رقم العدار غلاليتـه بـأحـرف ........ معنى الهوى في طيبها متناهي
نادى عليه الحسن حين لقـيتـه ........ هذا المنمنم في طراز الـلـه
فلما فرغت من شعرها قال علي بن بكار لجارية قريب منه :
أنشدي أنت أيتها الجارية .
فأخذت العود وأنشدت هذه الأبيات :
زمن الوصل يضيق عن ........ هذا التمادي والـدلال
كم من صدود متـلـف ........ ما هكذا أهل الجمـال
فاستغنموا وقت السعود ........ بطيب ساعات الوصال
فلما فرغت من شعرها تنهد علي بن بكار وأرسل دموعه الغزار ، فلما رأته شمس النهار قد بكى وأن واشتكى أحرقها الوجد والغرام وأتلفها الوله والهيام فقامت من فوق السرير وجاءت إلى باب القبة فقام علي بن بكار وتلقاها ووقعا مغشياً عليهما في باب القبة فقمن الجواري إليهما وحملنهما وأدخلنهما القبة ورششن عليهما ماء الورد فلما أفاقا لم يجدا أبا الحسن وكان قد اختفى في جانب سرير فقالت الصبية :
أين أبو الحسن ؟
فنظر لها من جانب السرير فسلمت عليه وقالت له :
أسأل الله أن يقدرني على مكافأتك يا صاحب المعروف .
ثم أقبلت على علي بن بكار وقالت له :
يا سيدي ما بلغ بك الهوى إلى غاية إلا وعندي أمثالها وليس لنا إلا الصبر على ما أصابنا .
فقال علي بن بكار :
والله يا سيدتي جمع شملي بك يطيب ولا ينطفئ إليك ما عندي من اللهيب ولا يذهب ما تمكن من حبك في قلبي إلا بذهاب روحي .
ثم بكى فنزلت دموعه على خده كأنها المطر ، فلما رأته شمس النهار يبكي بكت لبكائه فقال أبو الحسن :
والله إني عجبت من أمركما واحترت من شأنكما فإن حالكما عجيب وأمركما غريب في هذا البكاء وأنتما مجتمعان فكيف يكون الحال بعد انفصالكما ؟
ثم قال لهما :
هذا ليس وقت حزن وبكاء بل هذا وقت سرور وفرح .
فأشارت شمس النهار إلى جارية فقامت وعادت ومعها وصائف حاملات مائدة صحافها من الفضة وفيها أنواع الطعام ، ثم وضعت المائدة قدامها وصارت شمس النهار تأكل وتلقم علي بن بكار حتى اكتفوا ، ثم رفعت المائدة وغسلوا أيديهم وجاءتهم المباخر بأنواع العود وجاءت القماقم بماء الورد فتبخروا وتطيبوا وقدمت لهم أطباق من الذهب المنقوش فيها من أنواع الشراب والفواكه والنقل وما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، ثم جاءت لهم بطشت من العقيق ملآن من المدام ، فاختارت شمس النهار عشر وصائف أوقفتهن عندها وعشر جوار من المغنيات وصرفت باقي الجواري إلى أماكنهن وأمرت بعض الحاضرات من الجواري أن يضربن العود ففعلن ما أمرت به ، وأنشدت واحدة منهن :
بنفسي من رد التحـية ضاحـكـاً ........ فجدد بعد اليأس في الوصل مطعمي
لقد أبرزت سر الغـرام سرائـري ........ وأظهرت للعذال ما بين أضلـعـي
وحالت دموع العين بينـي وبـينه ........ كأن دموع العين تعشقـه مـعـي
فلما فرغت من شعرها قامت شمس النهار وملأت الكأس وشربته ثم ملأته وأعطته لعلي بن بكار .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار

الليلة الخامسة والثمانين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن شمس النهار ملأت الكأس لعلي بن بكار ، ثم أمرت جارية أن تغني فأنشدت هذين البيتين :
تشابه دمعي إذ جرى ومدامـتـي ........ فمن مثل الكأس عيني تسـكـب
فوالله لا أدري أبالخمر أسلـبـت ........ جفوني أم من أدمعي كنت أشرب
فلما فرغت من شعرها شرب علي بن بكار كأسه ورده إلى شمس النهار فملأته وناولته لأبي الحسن فشربه ثم أخذت العود وقالت :
لا يغني على قدحي غيري .
ثم شدت الأوتار وأنشدت هذه الأشعار :
غرائب الدمع في خديه تضـطرب ........ وجداً ونار الهوى في صدره تتقد
يبكي من القرب خوفاً من تباعدهم ........ فالدمع إن قربوا جار وإن بعدوا
فلما سمع علي بن بكار وأبو الحسن والحاضرون شعر شمس النهار كادوا يطيروا من الطرب ولعبوا وضحكوا ، فبينما هم على هذا الحال إذا بجارية أقبلت وهي ترتعد من الخوف وقالت :
يا سيدتي وصل أمير المؤمنين وهاهو بالباب ومعه عفيف ومسرور وغيرهما .
فلما سمعوا كلام الجارية كادوا أن يهلكوا من الخوف فضحكت شمس النهار وقالت :
لا تخافوا .
ثم قالت للجارية :
ردي عليهم الجواب بقدر ما نتحول من هذا المكان .
ثم إنها أمرت بغلق باب القبة ثم خرجت إلى البستان وجلست على سريرها وأمرت جارية أن تكبس رجليها وأمرت بقية الجواري أن يمضين إلى أماكنهن وأمرت الجارية أن تدع الباب مفتوحاً ليدخل الخليفة فدخل مسرور ومن معه وكانوا عشرون وبأيديهم السيوف فسلموا على شمس النهار ، فقالت لهم :
لأي شيء جئتم ؟
فقالوا :
إن أمير المؤمنين يسلم عليك وقد استوحش لرؤيتك ويخبرك أنه كان عنده اليوم سرور وحظ زائد وأحب أن يكون ختام السرور بوجودك في هذه الساعة ، فهل تأتين عنده أو يأتي عندك ؟
فقامت وقبلت الأرض وقالت :
سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين .
ثم أمرت بإحضار القهرمانات والجواري فحضرن وأظهرت لهن أنها مقبلة على ما أمر به الخليفة وكان المكان كاملاً في جميع أموره ثم قالت للخدم :
امضوا إلى أمير المؤمنين واخبروه أنني في انتظاره بعد قليل إلى أن أهيئ له مكاناً بالفرش والأمتعة .
فمضى الخدم مسرعين إلى أمير المؤمنين .
ثم إن شمس النهار قامت ودخلت إلى معشوقها علي بن بكار وضمته إلى صدرها وودعته فبكى بكاءً شديداً وقال :
يا سيدتي هذا الوداع فمتعيني به لعله يكون على تلف نفسي وهلاك روحي في هواك ولكن أسأل الله أن يرزقني الصبر على ما بلاني به من محبتي .
فقالت له شمس النهار :
والله ما يصير في التلف إلا أنا فإنك قد تخرج إلى السوق وتجتمع بمن يسليك فتكون مصوناً وغرامك مكنوناً وأما أنا فسوف أقع في البلاء خصوصاً وقد وعدت الخليفة بميعاد فربما يلحقني من ذلك عظيم الخطر بسبب شوقي إليك وحبي لك وتعشقي فيك وتأسفي على مفارقتك ، فبأي لسان أغني ؟ وبأي قلب أحضر عند الخليفة ؟ وبأي نظر أنظر إلى مكان ما أنت فيه ؟ وكيف أكون في حضرة لم تكن بها ؟ وبأي ذوق أشرب مداماً ما أنت حاضره ؟
فقال لها أبو الحسن :
لا تتحيري واصبري ولا تغفلي عن منادمة أمير المؤمنين هذه الليلة ولا تريه تهاوناً .
فبينما هما في الكلام إذا بجارية قدمت وقالت :
يا سيدتي جاء غلمان أمير المؤمنين .
فنهضت قائمة وقالت للجارية :
خذي أبا الحسن ورفيقه واقصدي بهما أعلى الروشن المطل على البستان ودعيهما هناك إلى الظلام ثم تحيلي في خروجهما .
فأخذتهما وأطلعتهما في الروشن وأغلقت الباب عليهما ومضت إلى حال سبيلها وصارا ينظران إلى البستان ، وإذا بالخليفة قدم وقدامه نحو المائة خادم بأيديهم السيوف وحواليه عشرون جارية كأنهن الأقمار عليهن أفخر ما يكون من الملبوس وعلى رأس كل واحدة تاج مكلل بالجواهر واليواقيت وفي يد كل واحدة شمعة موقودة والخليفة يمشي بينهن وهن محيطات به من كل ناحية ومسرور وعفيف ووصيف قدامه وهو يتمايل بينهم ، فقامت شمس النهار وجميع من عندها من الجواري ولاقينه من البستان وقبلن الأرض بين يديه ولم يزلن سائرات أمامه إلى أن جلس على السرير والذين في البستان من الجواري والخدم وقفوا حوله والشموع موقودة والآلات تضرب إلى أن أمرهم بالإنصراف والجلوس على الأسرة فجلست شمس النهار على السرير بجانب سرير الخليفة وصارت تحدثه ، كل ذلك وأبو الحسن وعلي بن بكار ينظران ويسمعان والخليفة لم يرهما .
ثم إن الخليفة صار يلعب مع شمس النهار ، وأمر بفتح القبة ففتحت وشرعوا طيقانها وأوقدوا الشموع حتى صار المكان وقت الظلام كالنهار ، ثم إن الخدم صاروا ينقلون آلت المشروب فقال أبو الحسن :
إن هذه الآلات والمشروب والتحف ما رأيت مثله وهذا شيء من أصناف الجواهر ما سمعت بمثله وقد خيل لي في المنام وقد اندهش عقلي وخفق قلبي .
وأما علي بن بكار فإنه لما فارقته شمس النهار لم يزل مطروحاً على الأرض من شدة العشق فلما أفاق صار ينظر إلى هذه الفعال التي لا يوجد مثلها فقال لأبي الحسن :
يا أخي أخشى أن ينظرنا الخليفة أو يعلم حالنا وأكثر خوفي عليك وأما أنا فإني أعلم نفسي من الهالكين وما سبب موتي إلا العشق والغرام وفرط الوجد والهيام ونرجو من الله الخلاص مما بلينا .
ولم يزل علي بن بكار وأبو الحسن ينظران من الروشين إلى الخليفة وما هو فيه حتى تكاملت الحضرة بين يدي الخليفة ، ثم إن الخليفة التفت إلى جارية من الجواري وقال :
هات ما عندك يا غرام من السماع المطرب .
فأطربت بالنغمات وأنشدت هذه الأبيات :
وما وجد إعرابية بـان أهلهـا ........ فحنت إلى بان الحجاز ورنده
إذا آنست ركباً تكـفل شوقهـا ........ بنار قراه والدمـوع بـورده
بأعظم من وجدي بحبي وغنما ........ يرى أنني أذنبت ذنبـاً بـوده
فلما سمعت شمس النهار هذا الشعر وقعت مغشياً عليها من فوق الكرسي الذي كانت عليه وغابت عن الوجود فقام الجواري واحتملنها ، فلما نظر علي بن بكار من الروشن وقع مغشياً عليه ، فقال أبو الحسن :
إن القضاء قسم الغرام بينكما بالتسوية .
فبينما هما يتحدثان إذا بالجارية التي أطلعتها الروشن جاءتهما وقالت :
يا أبا الحسن انهض أنت ورفيقك وانزلا فقد ضاقت علينا الدنيا وأنا خائفة أن يظهر أمرنا فقوما في هذه الساعة وإلا متنا .
فقال أبو الحسن :
فكيف ينهض معي هذا الغلام ولا قدرة له على النهوض ؟
فصارت الجارية ترش ماء الورد على وجهه حتى أفاق فحمله أبو الحسن هو والجارية ونزلا به من الروشن ومشيا قليلاً ، ثم فتحت الجارية بيدها فجاء زورق فيه إنسان يقذف فأطلعتهما الجارية في الزورق وقالت للذي في الزورق :
أطلعهما في ذلك البر .
فلما نزلا في الزورق وفارق البستان نظر علي بن بكار إلى القبة والبستان وودعهما بهذين البيتين :
مددت إلى التوديع كفـاً ضـعـيفة ........ وأخرى على الرمضاء تحت فؤادي
فلا كان هذا آخر الـعـهـد بـين ........ ولا كان هـذا الـزاد آخـر زادي
ثم إن الجارية قالت للملاح :
أسرع بهما .
فصار يقذف لأجل السرعة والجارية معهم .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .

مون فايس ..:: مشرفه دليل المطبخ والتغذيه ::..



تكملة حكاية علي بن البكار مع شمس النهار

الليلة السادسة والثمانين بعد المئة


قالت شهرزاد :

بلغني أيها الملك السعيد أن الملاح صار يقذف والجارية معهم إلى أن قطعوا ذلك الجانب وعدوا إلى البر الثاني ، ثم انصرفت الجارية وودعتهما وطلعا في البر وقالت لهما :
كان قصدي أن لا أفارقكما لكنني لا أقدر أن أسير إلى مكان غير هذا الموضع .
ثم إن الجارية عادت وصار علي بن بكار مطروحاً بين يدي أبي الحسن لا يستطيع النهوض فقال له أبو الحسن :
إن هذا المكان غير أمين ونخشى على أنفسنا من التلف في هذا المكان بسبب اللصوص وأولاد الحرام .
فقام علي بن بكار يتمشى قليلاً وهو لا يستطيع المشي ، وكان أبو الحسن له في ذلك الجانب أصدقاء فقصد من يثق به ويركن إليه منهم فدق بابه فخرج إليه مسرعاً .
فلما رآهما رحب بهما ودخل بهم إلى منزله وأجلسهما وتحدث معهما وسألهما أين كانا فقال أبو الحسن :
قد خرجنا في هذا الوقت وقد أحوجنا إلى هذا الأمر إنسان عاملته في دراهم وبلغني أنه يريد السفر بمالي فخرجت في هذه الليلة وقصدته واستأنست برفيقي هذا علي بن بكار ، وجئنا لعلنا ننظره فتوارى منا ولم نره وعدنا بلا شيء وشق علينا العودة في هذا الليل ولم نر لنا محلاً غير محلك فجئنا إليك على عوائدك الجميلة .
فرحب بهما واجتهد في إكرامهما وأقاما عنده بقية ليلتهما .
فلما أصبح الصباح خرجا من عنده وما زالا يمشيان حتى وصلا إلى المدينة ودخلا وجازا على بيت أبي الحسن فحلف على صاحبه علي بن بكار وأدخله بيته فاضجعا على الفراش قليلاً ، ثم أفاقا فأمر أبو الحسن غلمانه أن يفرشوا البيت فرشاً فاخراً ففعلوا ، ثم إن أبا الحسن قال في نفسه :
لابد أن أؤانس هذا الغلام وأسليه عما هو فيه فإني أدرى بأمره .
ثم إن علي بن بكار لما أفاق استدعى بماء فحضروا له الماء فقام وتوضأ وصلى ما فاته من الفروض في يومه وليلته وصار يسلي نفسه بالكلام .
فلما رأى منه ذلك أبو الحسن تقدم إليه وقال :
على الأليق بما أنت فيه أن تقيم عندي هذه الليلة لينشرح صدرك وينفرج ما بك من كرب الشوق وتتلاهى معنا .
فقال علي بن بكار :
أفعل يا أخي ما بدا لك فإني على كل حال غير ناج مما أصابني فاصنع ما أنت صانع .
فقام أبو الحسن واستدعى غلمانه وأحضر أصحابه وأرسل إلى أرباب المغاني والآلات فحضروا وأقاموا على أكل وشرب وانشراح باقي اليوم إلى المساء ثم أوقدوا الشموع ودارت بينهم كؤوس المنادمة وطاب لهم الوقت فأخذت المغنية العود وجعلت تقول :
رميت من الزمان بسهم لحظ ........ فأضناني وفارقت الحبـائب
وعاندني الزمان وقل صبري ........ وإني قبل هذا كنت حاسب
فلما سمع علي بن بكار كلام المغنية خر مغشياً عليه ولم يزل في غشيته إلى أن طلع الفجر ويئس منه أبو الحسن ولما طلع النهار أفاق وطلب الذهاب إلى بيته فلم يمنعه أبو الحسن خوفاً من عاقبة أمره فاتاه غلمانه ببغلة وأركبوه وصار معه أبو الحسن إلى أن أدخله منزله فلما اطمأن في بيته حمد الله أبو الحسن على خلاصه من هذه الورطة وصار يسليه وهو لا يتمالك نفسه من شدة الغرام ثم إن أبا الحسن ودعه .



وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .


Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2024, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية