همسة حب ..:: عضو مميز ::..

(( الجزء السادس ))

بدلت ثيابي وأخذت أتجول في الفيلا الكبيرة .. كان الدور الثاني يتكون من خمس حجرات للنوم عدا حجرة نومي الكبيرة ..
وفي الدور الأول سبع حجرات منها حجرة واحدة مغلقة لم أستطع فتحها .. وفي تجوالي بالبيت لفتت نظري خادمة سوداء
ترقبني بعينيها اللامعتين .. وحين رأتني أنظر إليها افتر ثغرها عن ابتسامة أظهرت أسنانها البيضاء .. كانت ترتدي ملابس
رثة لا تتناسب وفخامة هذا البيت ..

سألتها عما إذا كانت تعرف العربية فأومأت بالإيجاب .. كدت اسألها عن الرجل العجوز أين هو ولكن اكتشفت ياللسخرية
أنني لا أعرف حتى اسمه الأول .. قلت لها بهدوء :
ـ أين السيد .. هل خرج ؟

قالت ببساطة :
ـ لا أدري ..

كدت ألقي عليها أسئلة أخرى عن هذا الرجل وهل له زوجة وأولاد ، لكنني أيقنت بأنها لن ترد على أي من أسئلتي ..
جلست في الصالة الكبرى التي تعلوها ثريا ضخمة تتلألأ فيها عشرات الأضواء حتى حضر زوجي الشيخ الذي تطلق عليه
الخادمة اسم " عمي صالح " ..
لأول مرة منذ غادرت معه منزل أبي أراه بوضوح ..

قصير القامة محني الظهر تملأ وجهه لحية كبيرة بيضاء يناهز السبعين من العمر .. تبدو عليه سيماء رجل الأعمال بادرني
قائلاً وضحكة كبيرة تملأ وجهه :

ـ هل أعجبكِ بيتك الجديد يامنى ؟
حاولت جاهدة أن أتماسك وأنا أجيب :
ـ نعم ..

ضحك مرة أخرى لتبدو لي أسنانه الصناعية واضحة جلية وهو يقول :
ـ استعدي سنسافر غداً إلى أثينا .. منها رحلة عمل ومنها شهر عسل ..
ـ وأهلي .. ألن أراهم ؟
وقد طاف بخيالي شقيقي أحمد وهو يتلقى العذاب أضعافاً مضاعفة من هذه الحرباء الأفعى .. دمعت عيناي وصوته يأتيني
من بعيد :
ـ وماذا تريدين من أهلك ؟ أنتِ يا منى قد تزوجتِ وأنتهى الأمر .. أنسي أهلك حالياً ..
ونسيت أهلي وغادرت مع زوجي إلى أثينا ..
وفي فندق الشيراتون حدثت أول نكته .. أو ملهاة تضحك وتبكي في رحلتي مع الرجل العجوز إذ قال موظف الفندق العربي
اللبناني الأصل لزوجي ببساطة :
ـ فلتسترح ابنتك على مقعد لحين انتهاء الإجراءات ..

ابتسمت أنا وتغير وجه زوجي تغيراً ملحوظاً لدرجة أنه تجاهل الموظف ونصيحته وأمر بأن ترفع الحقائب على الفور ..
وعشت المأساة من جديد ، حيث ما أن ضمنا الجناح الفاخر حتى انفجر زوجي في وجهي صارخاً ومعاتباً :
ـ كيف تبتسمين للرجال بهذه الطريقة .. هذا يدل على الفجور وعلى قلة الأدب .. لقد دهشت حين عرض علي والدك
أن يزوجني إياك والآن عرفت السر لقد تخلص منك بهذا الزواج .. تخلص من حماقتك وانعدام حيائك .. انك لا تستحقين
الحياة الكريمة .. أنتِ تستحقين الحياة في قفص .. وهلم جراً من هذه الكلمات التي نزلت على رأسي كالصواعق
الحارقة فبكيت .. وأنا أتصور عذابي القادم مع هذا الرجل العجوز الغيور فرغم أنني قد تحملت كل شيء ورضيت
بمستقبلي المظلم معه وتحملت نظرات الدونية ولمساته المقززة وأنفاسه ورائحة الموت التي تنبعث من بين أعطافه
وبرودته القاتله .. كل شيء تحملته بروح عالية وأخيراً يتعالى هو على كل ذلك ويصفني بأبشع الألقاب من أجل شيء
تافه .. ابتسامة لا إرادية صدرت مني على نكتة اعيشها بعمري وشبابي ..
حاولت الصمت أكثر من المعتاد والاتزان أكبر بكثير من عمري وإلغاء المسافات واجتياز الحواجز مهما يكن من أمر ..
فلست أرغب في العودة إلى أبي وزوجته الأفعى .. وزوجي بمساوئه أفضل كثيراً من ذلك البيت المتداعي الذي أفسدته
زوجـة أبي بأغلالها وسيطرتها على البيت ومن فيه ..
مرت أيام السفر بسرعة غريبة وأنا لا أغادر الفندق الإ لماماً .. ولمرتين على وجه التحديد .. أحدها إلى السوق لشراء
بعض الحاجيات وأنا أنكس رأسي إلى الأسفل ولا أرى من الناس أو الطبيعة سوى مواضع أقدامي .. وفي المرة الثانية
وحينما ذهبت برفقته إلى المطعم التركي .. أغلبية من يعملون به من الرجال المتقدمين في السن ولا أدري كيف تم إختيارهم
على هذه الدرجة من كبر السن والدمامة التي لاتخطئها العين ..

وعدنا إلى أرض الوطن وفي داخلي قلق عظيم لم تستطع وداعتي اجتيازه .. فكيف لي أن اطمئن على حياتي القادمة من
هذا الرجل .. كيف احاوره .. كيف أعايشه .. كيف أوجد خيطاً ما يقودني إلى عقليته .. نعم هي فترة مؤقتة .. لكنها
ضرورية ومهمة فخلالها يجب أن أقنعه بمتابعة دراستي وبتأمين مستقبلي ولو بمبلغ يسير .. لكن كيف وهو بهذه العقلية
وبيني وبينه أميال يستحيل تجاوزها .. هو لايراني سوى دمية جميلة ضمن أملاكه ولا شيء أكثر .. فهل يحق للدمية
متابعة تعليمها وإهدائها مبلغاً ما يضمن مستقبلها ..
شغلتني أسئلتي حتى طفر الدمع من عيني .. سألني بحنان كدت أنساه :
ـ منى .. ماالذي يبكيكِ ؟

وعند هذه العبارة فقط انهارت أحزاني دموعـاً .. وبكيت بحرقة شديدة اهتززت معها من أعماقي .. ربت على كتفي بحنان
وهو ينادي بأسمي .. أحسست به .. أدركت بأن بكاء المرأة إحدى نقاط الضعف لديه وانه يسلم أمامه بكل شيء ، قررت
أن الوقت قد حان لألقي أول أسلحتي .. هتفت بين دموعي :
ـ إني اشعر بضياع مستقبلي .. ولم أزد على ذلك بحرف .. أحسست به يتقوقع على نفسه كقنفذ وهو يشعر بالإهانة وربما
استصغار الشأن ..
أجاب بخشونة :
ـ وأنتِ معي لن يضيع مستقبلك .. غداً أكتب باسمك إحدى عماراتي .. زغردت روحي فرحاً ورقصت مشاعري طرباً .. لكنني لـم استسلم ، فليس هذا هو هدفي الأوحد .. فازدادت حدة بكائي
وأنا أقول بحرارة :
ـ أنا لا أنسى فضلك أبداً .. وأشكرك كثيراً لكن المستقبل ليس فقط بالأموال إن دراستي أيضاً مستقبل ..
نكس رأسه بأسى وكأنه يفكر .. ثم قال أخيراً :
ـ حسناً .. سأفكر بالأمر ..
من كلماته شممت رائحة الموافقة وإن كانت تحتاج لتأكيد لا رجعة فيه ..
همست برقة :
ـ لا .. لا .. الأمر لا يحتاج لتفكير .. أرجوك ..
واحترت في تسميته فأنا لم يسبق لي مناداته من قبل .. لا أدري هل أقول له العم صالح .. أم بصالح فقط .. أم ماذا ..
أخيراً حسمت الأمر وقررت بألا أناديه إطلاقاً .. فأكملت جملتي ودموعي لاتزال عالقة بأهدابي :
ـ أرجوك أنا أحب مدرستي ومعلماتي ، ثم إن وقت فراغي كبيـر وسأقضيه بالدراسة والتحصيل ..
صمت وتعلقت عيناي بشفتيه أنتظر كلمة تتغير فيها مسيرة حياتي ..
قال بعد أن ابتسم ابتسامة واسعة :
ـ حسناً يامنى .. كلمة رجل .. منذ الغد اذهبي إلى مدرستك والعمارة سأتبها باسمك خلال ايام ..
كدت أقفز وأتعلق بعنقه من شدة الفرحة ، ولكنني تماسكت وابتسمت باتزان وأنا أشكره ..
ومن غدي انطلقت إلى مدرستي وأنا أشعر بعدالة السماء تحرس خطواتي ..استقبلتني صديقاتي بفرحة صاخبة ..


صرخت إيمان :
ـ منى أين أنتِ ؟ ثلاثة أسابيع تختفين .. أين كنتِ .. وماذا فعلتِ ؟
قالت نورة :
ـ سمعنا بأنكِ قد تزوجتِ وهاجرتِ ..
ثم همست لي سارة :
ـ يقولون بأن والدك قد ضبطكِ مع أحد الشباب في البيت وسجن الشاب .
قالت أخرى :
ـ سمعت أن ..
وقاطعهن صوت حاد عرفت فيه صوت معلمتي الحبيبة فاطمة .. ألقيت نفسي بين أحضانها باكية .. أنتزعتني برفق


وهي تقول :
ـ أذهبي الآن إلى المديرة ، فهي تريدك بسرعة وبعد ذلك عودي إليّ ..
تشبثت بيدها وكأني لا أود مفارقتها ، لكنها سحبت يدها ودفعتني بلطف نحو حجرة المديرة ..
استقبلتني المديرة بتحفظ وهي تسألني :
ـ لقد مضى على غيابك يا منى ثلاثة أسابيع كاملة .. كيف نبرر غيابك أثنائها .. ألا تدرين أن الغياب بدون عذر يستوجب

الفصل النهائي ..
أطبقت بأسناني على شفتي السفلى دون أن أجيب ..
قالت بهدوء :
ـ لقد كثرت الإشاعات وتنوعت .. وحاولنا مراراً الاتصال ببيتكم لمعرفة ماحدث لكِ .. لكن جوبهنا باستقبال مهين ، وعندما
حاولت المعلمة زيارتكِ في المنزل طردتها زوجة أبيكِ وهاجمتها بكلام سيئ لا يقال ولا يحكى ..
امتلأت عيناي بالدموع قهراً وألماً .. سألتني المديرة وقد علت نبرة صوتها قليلاً :
ـ هل حقاً تزوجتِ يا منى ؟


هززت رأسي بالوافقة دون جواب وتساقطت دموعي على وجنتي ..
نهضت المديرة من مقعدها وجلست بجواري وهي تهمس قائلة :
ـ كلنا نحبك يا منى لأنكِ طالبة متفوقة ومجتهدة دائماً لذلك سنحاول مساعدتكِ قدر استطاعتنا .. هل تستطيعين إيجاد
تقرير طبي يوضح بأنكِ مريضة لمدة أسبوعين أو حتى أسبوع واحد ونحن نتصرف بالباقي ..
أجبتها وأنا أمسح دموعي :
ـ شكراً يا أبلة منيرة .. أشكركِ كثيراً على مساعدتي وسأحاول إيجاد ماطلبته ..
هنا نهضت المديرة قائلة :
ـ حسناً .. أذهبي الآن إلى فصلك ..

وفي نهاية الفسحة اصطحبتني معلمتي فاطمة إلى حجرتها ، وهي تحكي لي معاناتها مع أهلي عندما حاولت السؤال عني
وكيف هاجمتها زوجة أبي بسفالة وانحطاط .. سألتني عما جد من أخباري .. حكيت لها بدموع ساخنة قصة زواجي من
الرجل العجوز وحياتي معه الجافة بلا طعم ولا روح وكيف كان أحن عليّ من أبي حين وافق على إكمال تعليمي ..
قالت معلمتي بعد تفكير عميق :
ـ لقد تزوجتِ الآن يا منى وانتهى الأمر .. واحمدي الله على هذه النهاية رغم شذوذها ، فقد كان من الممكن أن تلقي من
هذه المرأة ماهو أشد وأنكى .. وطني نفسك على الأحتمال وتقبلي هذه الحقيقة .. أما زوجة أبيكِ فسيعاقبها الله أشد العقاب
ولن تهنأ بالتخلص منكِ .. فالله يمهل ولا يهمل ..
تنهدت بعمق وأنا أجتر آهاتي الممزقة من أعماق صدري ..
غادرت مدرستي ذات يوم وفي داخلي حنين لأخي أحمد ولبيتنا الصغير وخادمتنا الوفية المخلصة ، فقد مر أكثر من شهر
على زواجي ولم أطلب من زوجي زيارة أهلي ولم يتكلم بدوره في هذا الأمر .. في إحدى الليالي ، وبينما كنت مستغرقة في مراجعة دروسي وقد أطمئن قلبي بعد أن أنتظمت بالدراسة وتجاهلت المديرة
غيابي الطويل بالاتفاق معي ومع معلمتي فاطمة .. سمعت أنين صادر من مكان قريب من مكاني .. تلفت حولي ذاهلة ،
فقد نام زوجي منذ زمن طويل وأوت الخادمة إلى فراشها قريباً منذ منتصف الليل .. فما هذا الصوت الغريب ومن أين يأتي ؟
وبعد برهة تلاشى الصوت وكأن لم يكن .. هززت كتفي بلا مبالاة ، فربما كان صادراً من بيت قريب من بيتنا أو ربما يكون
من مذياع سيارة مرت قرب بيتي أو ربما أكون واهمة ..
تناسيت الأمر واستغرقتني شؤون الحياة من حياة مدرسية
حافلة ، وحياة زوجية باردة مملة لا يتغير فيها شيء رغم أملاكي
التي زادت مع مرور الأيام ..

ومع الأيام عرفت أن لزوجي الشيخ زوجة أخرى طاعنة في السن هي أم أولاده وتسكن في قصر كبير في أرقى منطقة في
المدينة وتعيش هي وأولادها عيشة باذخة أقرب إلى معيشة الأميرات ..
وبعد عدة أيام تناهي إلى سمعي الصوت الحاد مرة أخرى ليخفت بعد ثوان .. وتكرر الأمر مراراً .. وفي إحدى المرات كان
البيت غارقاً في السكون لدرجة هائلة ، فقد كان الوقت شتاء والمكيفات مغلقة حينذاك فاخترق الصوت أذني ليزلزل أعماقي ..
اتجهت نظراتي تلقائياً نحو الحجرة المغلقة .. اقتربت منها بهدوء .. إنها المكان الوحيد الذي لم تطأه أقدامي أبداً في هذا
البيت .. أيضاً لم أراه يفتح ولا مرة واحدة أثناء وجودي ..
اقتربت غير خائفة ولا وجلة .. وضعت أذني على الباب وأرهفت السمع ولدهشتي الشديدة سمعت همهمة خافتة لا تخطئها أذن..


:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:..:.:.:.:.:.:.:..:. .:.:.


همسة حب ..:: عضو مميز ::..

(( الجزء السادس ))

بدلت ثيابي وأخذت أتجول في الفيلا الكبيرة .. كان الدور الثاني يتكون من خمس حجرات للنوم عدا حجرة نومي الكبيرة ..
وفي الدور الأول سبع حجرات منها حجرة واحدة مغلقة لم أستطع فتحها .. وفي تجوالي بالبيت لفتت نظري خادمة سوداء
ترقبني بعينيها اللامعتين .. وحين رأتني أنظر إليها افتر ثغرها عن ابتسامة أظهرت أسنانها البيضاء .. كانت ترتدي ملابس
رثة لا تتناسب وفخامة هذا البيت ..
سألتها عما إذا كانت تعرف العربية فأومأت بالإيجاب .. كدت اسألها عن الرجل العجوز أين هو ولكن اكتشفت ياللسخرية
أنني لا أعرف حتى اسمه الأول .. قلت لها بهدوء :
ـ أين السيد .. هل خرج ؟
قالت ببساطة :
ـ لا أدري ..
كدت ألقي عليها أسئلة أخرى عن هذا الرجل وهل له زوجة وأولاد ، لكنني أيقنت بأنها لن ترد على أي من أسئلتي ..
جلست في الصالة الكبرى التي تعلوها ثريا ضخمة تتلألأ فيها عشرات الأضواء حتى حضر زوجي الشيخ الذي تطلق عليه
الخادمة اسم " عمي صالح " ..
لأول مرة منذ غادرت معه منزل أبي أراه بوضوح ..
قصير القامة محني الظهر تملأ وجهه لحية كبيرة بيضاء يناهز السبعين من العمر .. تبدو عليه سيماء رجل الأعمال بادرني
قائلاً وضحكة كبيرة تملأ وجهه :
ـ هل أعجبكِ بيتك الجديد يامنى ؟
حاولت جاهدة أن أتماسك وأنا أجيب :
ـ نعم ..
ضحك مرة أخرى لتبدو لي أسنانه الصناعية واضحة جلية وهو يقول :
ـ استعدي سنسافر غداً إلى أثينا .. منها رحلة عمل ومنها شهر عسل ..
ـ وأهلي .. ألن أراهم ؟
وقد طاف بخيالي شقيقي أحمد وهو يتلقى العذاب أضعافاً مضاعفة من هذه الحرباء الأفعى .. دمعت عيناي وصوته يأتيني
من بعيد :
ـ وماذا تريدين من أهلك ؟ أنتِ يا منى قد تزوجتِ وأنتهى الأمر .. أنسي أهلك حالياً ..
ونسيت أهلي وغادرت مع زوجي إلى أثينا ..
وفي فندق الشيراتون حدثت أول نكته .. أو ملهاة تضحك وتبكي في رحلتي مع الرجل العجوز إذ قال موظف الفندق العربي
اللبناني الأصل لزوجي ببساطة :
ـ فلتسترح ابنتك على مقعد لحين انتهاء الإجراءات ..
ابتسمت أنا وتغير وجه زوجي تغيراً ملحوظاً لدرجة أنه تجاهل الموظف ونصيحته وأمر بأن ترفع الحقائب على الفور ..
وعشت المأساة من جديد ، حيث ما أن ضمنا الجناح الفاخر حتى انفجر زوجي في وجهي صارخاً ومعاتباً :
ـ كيف تبتسمين للرجال بهذه الطريقة .. هذا يدل على الفجور وعلى قلة الأدب .. لقد دهشت حين عرض علي والدك
أن يزوجني إياك والآن عرفت السر لقد تخلص منك بهذا الزواج .. تخلص من حماقتك وانعدام حيائك .. انك لا تستحقين
الحياة الكريمة .. أنتِ تستحقين الحياة في قفص .. وهلم جراً من هذه الكلمات التي نزلت على رأسي كالصواعق
الحارقة فبكيت .. وأنا أتصور عذابي القادم مع هذا الرجل العجوز الغيور فرغم أنني قد تحملت كل شيء ورضيت
بمستقبلي المظلم معه وتحملت نظرات الدونية ولمساته المقززة وأنفاسه ورائحة الموت التي تنبعث من بين أعطافه
وبرودته القاتله .. كل شيء تحملته بروح عالية وأخيراً يتعالى هو على كل ذلك ويصفني بأبشع الألقاب من أجل شيء
تافه .. ابتسامة لا إرادية صدرت مني على نكتة اعيشها بعمري وشبابي ..
حاولت الصمت أكثر من المعتاد والاتزان أكبر بكثير من عمري وإلغاء المسافات واجتياز الحواجز مهما يكن من أمر ..
فلست أرغب في العودة إلى أبي وزوجته الأفعى .. وزوجي بمساوئه أفضل كثيراً من ذلك البيت المتداعي الذي أفسدته
زوجـة أبي بأغلالها وسيطرتها على البيت ومن فيه ..
مرت أيام السفر بسرعة غريبة وأنا لا أغادر الفندق الإ لماماً .. ولمرتين على وجه التحديد .. أحدها إلى السوق لشراء
بعض الحاجيات وأنا أنكس رأسي إلى الأسفل ولا أرى من الناس أو الطبيعة سوى مواضع أقدامي .. وفي المرة الثانية
وحينما ذهبت برفقته إلى المطعم التركي .. أغلبية من يعملون به من الرجال المتقدمين في السن ولا أدري كيف تم إختيارهم
على هذه الدرجة من كبر السن والدمامة التي لاتخطئها العين ..
وعدنا إلى أرض الوطن وفي داخلي قلق عظيم لم تستطع وداعتي اجتيازه .. فكيف لي أن اطمئن على حياتي القادمة من
هذا الرجل .. كيف احاوره .. كيف أعايشه .. كيف أوجد خيطاً ما يقودني إلى عقليته .. نعم هي فترة مؤقتة .. لكنها
ضرورية ومهمة فخلالها يجب أن أقنعه بمتابعة دراستي وبتأمين مستقبلي ولو بمبلغ يسير .. لكن كيف وهو بهذه العقلية
وبيني وبينه أميال يستحيل تجاوزها .. هو لايراني سوى دمية جميلة ضمن أملاكه ولا شيء أكثر .. فهل يحق للدمية
متابعة تعليمها وإهدائها مبلغاً ما يضمن مستقبلها ..
شغلتني أسئلتي حتى طفر الدمع من عيني .. سألني بحنان كدت أنساه :
ـ منى .. ماالذي يبكيكِ ؟
وعند هذه العبارة فقط انهارت أحزاني دموعـاً .. وبكيت بحرقة شديدة اهتززت معها من أعماقي .. ربت على كتفي بحنان
وهو ينادي بأسمي .. أحسست به .. أدركت بأن بكاء المرأة إحدى نقاط الضعف لديه وانه يسلم أمامه بكل شيء ، قررت
أن الوقت قد حان لألقي أول أسلحتي .. هتفت بين دموعي :
ـ إني اشعر بضياع مستقبلي .. ولم أزد على ذلك بحرف .. أحسست به يتقوقع على نفسه كقنفذ وهو يشعر بالإهانة وربما
استصغار الشأن ..
أجاب بخشونة :
ـ وأنتِ معي لن يضيع مستقبلك .. غداً أكتب باسمك إحدى عماراتي .. زغردت روحي فرحاً ورقصت مشاعري طرباً .. لكنني لـم استسلم ، فليس هذا هو هدفي الأوحد .. فازدادت حدة بكائي
وأنا أقول بحرارة :
ـ أنا لا أنسى فضلك أبداً .. وأشكرك كثيراً لكن المستقبل ليس فقط بالأموال إن دراستي أيضاً مستقبل ..
نكس رأسه بأسى وكأنه يفكر .. ثم قال أخيراً :
ـ حسناً .. سأفكر بالأمر ..
من كلماته شممت رائحة الموافقة وإن كانت تحتاج لتأكيد لا رجعة فيه ..
همست برقة :
ـ لا .. لا .. الأمر لا يحتاج لتفكير .. أرجوك ..
واحترت في تسميته فأنا لم يسبق لي مناداته من قبل .. لا أدري هل أقول له العم صالح .. أم بصالح فقط .. أم ماذا ..
أخيراً حسمت الأمر وقررت بألا أناديه إطلاقاً .. فأكملت جملتي ودموعي لاتزال عالقة بأهدابي :
ـ أرجوك أنا أحب مدرستي ومعلماتي ، ثم إن وقت فراغي كبيـر وسأقضيه بالدراسة والتحصيل ..
صمت وتعلقت عيناي بشفتيه أنتظر كلمة تتغير فيها مسيرة حياتي ..
قال بعد أن ابتسم ابتسامة واسعة :
ـ حسناً يامنى .. كلمة رجل .. منذ الغد اذهبي إلى مدرستك والعمارة سأتبها باسمك خلال ايام ..
كدت أقفز وأتعلق بعنقه من شدة الفرحة ، ولكنني تماسكت وابتسمت باتزان وأنا أشكره ..
ومن غدي انطلقت إلى مدرستي وأنا أشعر بعدالة السماء تحرس خطواتي ..استقبلتني صديقاتي بفرحة صاخبة ..

صرخت إيمان :
ـ منى أين أنتِ ؟ ثلاثة أسابيع تختفين .. أين كنتِ .. وماذا فعلتِ ؟
قالت نورة :
ـ سمعنا بأنكِ قد تزوجتِ وهاجرتِ ..
ثم همست لي سارة :
ـ يقولون بأن والدك قد ضبطكِ مع أحد الشباب في البيت وسجن الشاب .
قالت أخرى :
ـ سمعت أن ..
وقاطعهن صوت حاد عرفت فيه صوت معلمتي الحبيبة فاطمة .. ألقيت نفسي بين أحضانها باكية .. أنتزعتني برفق

وهي تقول :
ـ أذهبي الآن إلى المديرة ، فهي تريدك بسرعة وبعد ذلك عودي إليّ ..
تشبثت بيدها وكأني لا أود مفارقتها ، لكنها سحبت يدها ودفعتني بلطف نحو حجرة المديرة ..
استقبلتني المديرة بتحفظ وهي تسألني :
ـ لقد مضى على غيابك يا منى ثلاثة أسابيع كاملة .. كيف نبرر غيابك أثنائها .. ألا تدرين أن الغياب بدون عذر يستوجب
الفصل النهائي ..
أطبقت بأسناني على شفتي السفلى دون أن أجيب ..
قالت بهدوء :
ـ لقد كثرت الإشاعات وتنوعت .. وحاولنا مراراً الاتصال ببيتكم لمعرفة ماحدث لكِ .. لكن جوبهنا باستقبال مهين ، وعندما
حاولت المعلمة زيارتكِ في المنزل طردتها زوجة أبيكِ وهاجمتها بكلام سيئ لا يقال ولا يحكى ..
امتلأت عيناي بالدموع قهراً وألماً .. سألتني المديرة وقد علت نبرة صوتها قليلاً :
ـ هل حقاً تزوجتِ يا منى ؟

هززت رأسي بالوافقة دون جواب وتساقطت دموعي على وجنتي ..
نهضت المديرة من مقعدها وجلست بجواري وهي تهمس قائلة :
ـ كلنا نحبك يا منى لأنكِ طالبة متفوقة ومجتهدة دائماً لذلك سنحاول مساعدتكِ قدر استطاعتنا .. هل تستطيعين إيجاد
تقرير طبي يوضح بأنكِ مريضة لمدة أسبوعين أو حتى أسبوع واحد ونحن نتصرف بالباقي ..
أجبتها وأنا أمسح دموعي :
ـ شكراً يا أبلة منيرة .. أشكركِ كثيراً على مساعدتي وسأحاول إيجاد ماطلبته ..
هنا نهضت المديرة قائلة :
ـ حسناً .. أذهبي الآن إلى فصلك ..
وفي نهاية الفسحة اصطحبتني معلمتي فاطمة إلى حجرتها ، وهي تحكي لي معاناتها مع أهلي عندما حاولت السؤال عني
وكيف هاجمتها زوجة أبي بسفالة وانحطاط .. سألتني عما جد من أخباري .. حكيت لها بدموع ساخنة قصة زواجي من
الرجل العجوز وحياتي معه الجافة بلا طعم ولا روح وكيف كان أحن عليّ من أبي حين وافق على إكمال تعليمي ..
قالت معلمتي بعد تفكير عميق :
ـ لقد تزوجتِ الآن يا منى وانتهى الأمر .. واحمدي الله على هذه النهاية رغم شذوذها ، فقد كان من الممكن أن تلقي من
هذه المرأة ماهو أشد وأنكى .. وطني نفسك على الأحتمال وتقبلي هذه الحقيقة .. أما زوجة أبيكِ فسيعاقبها الله أشد العقاب
ولن تهنأ بالتخلص منكِ .. فالله يمهل ولا يهمل ..
تنهدت بعمق وأنا أجتر آهاتي الممزقة من أعماق صدري ..
غادرت مدرستي ذات يوم وفي داخلي حنين لأخي أحمد ولبيتنا الصغير وخادمتنا الوفية المخلصة ، فقد مر أكثر من شهر
على زواجي ولم أطلب من زوجي زيارة أهلي ولم يتكلم بدوره في هذا الأمر .. في إحدى الليالي ، وبينما كنت مستغرقة في مراجعة دروسي وقد أطمئن قلبي بعد أن أنتظمت بالدراسة وتجاهلت المديرة
غيابي الطويل بالاتفاق معي ومع معلمتي فاطمة .. سمعت أنين صادر من مكان قريب من مكاني .. تلفت حولي ذاهلة ،
فقد نام زوجي منذ زمن طويل وأوت الخادمة إلى فراشها قريباً منذ منتصف الليل .. فما هذا الصوت الغريب ومن أين يأتي ؟
وبعد برهة تلاشى الصوت وكأن لم يكن .. هززت كتفي بلا مبالاة ، فربما كان صادراً من بيت قريب من بيتنا أو ربما يكون
من مذياع سيارة مرت قرب بيتي أو ربما أكون واهمة ..
تناسيت الأمر واستغرقتني شؤون الحياة من حياة مدرسية
حافلة ، وحياة زوجية باردة مملة لا يتغير فيها شيء رغم أملاكي
التي زادت مع مرور الأيام ..
ومع الأيام عرفت أن لزوجي الشيخ زوجة أخرى طاعنة في السن هي أم أولاده وتسكن في قصر كبير في أرقى منطقة في
المدينة وتعيش هي وأولادها عيشة باذخة أقرب إلى معيشة الأميرات ..
وبعد عدة أيام تناهي إلى سمعي الصوت الحاد مرة أخرى ليخفت بعد ثوان .. وتكرر الأمر مراراً .. وفي إحدى المرات كان
البيت غارقاً في السكون لدرجة هائلة ، فقد كان الوقت شتاء والمكيفات مغلقة حينذاك فاخترق الصوت أذني ليزلزل أعماقي ..
اتجهت نظراتي تلقائياً نحو الحجرة المغلقة .. اقتربت منها بهدوء .. إنها المكان الوحيد الذي لم تطأه أقدامي أبداً في هذا
البيت .. أيضاً لم أراه يفتح ولا مرة واحدة أثناء وجودي ..
اقتربت غير خائفة ولا وجلة .. وضعت أذني على الباب وأرهفت السمع ولدهشتي الشديدة سمعت همهمة خافتة لا تخطئها أذن..

:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:..:.:.:.:.:.:.:..:. .:.:.


همسة حب ..:: عضو مميز ::..

((الجزء السابع))

كان شاباً وسيماً طويلاً رشيقاً ، لكن يبدو عليه المرض والإنهاك .. أرعبني مرآه بلحيته النامية ونظراته المصعوقة ..
استدرت لأخرج .. جاءني صوته مفعماً بالأمل والرجاء :
ـ أرجوكِ .. انتظري قليلاً ..
ولم ينهض من سريره وأصابعه لا تزال تمسك بمفتاح الإضاءة وكأنه تجمد عند هذه اللحظة .. فكرت بسرعة .. ها أنا قد
عرفت كل شيء .. هناك شاب مايقبع في الحجرة .. شاب في نحو السادسة أو السابعة والعشرين من عمره .. يبدو مريضاً
أو شيء من هذا القبيل في حجرة رائعة ، ملحقة بحمام تحتوي على كافة الكماليات ولا ينقصها شيء .. لكن لماذا ؟ لماذا
هو محبوس هنا ، ومن هو ، وإلى متى ؟ هل أبقى لمعرفة إجابة شافية عن أسئلتي تلك أم أغادر وأنسى كل شيء ؟..
وفي لحظة خاطفة كالبرق تذكرت زوجي الشيخ وردة فعله عندما يعلم بفعلتي الشنعاء .. أنه لن يعدم وسيلة يعاقبني بها وقد
يطلقني بكل سهولة .. وقد أعود إلى تلك المرأة الحرباء زوجة أبي لتشن علي حرباً شعواء .. كلا .. وقررت أن أخرج ..
ألقيت عليه نظرة سريعة وتجمدت لحظات فقد هالتني الدموع الغزيرة التي انهالت من عينيه السوداوين ..
قلت بهدوء:
ـ ماذا يبكيك أيها الشاب ؟

قال وهو يمسح دموعه بظهر كفيه:
ـ فقد حكم علي القدر بإعدام .. وحكم علي خالي بالسجن المؤبد حتى الموت .. وهاأناذا أقبع في زنزانتي حديثة أنتظر الموت
في كل يوم بل كل لحظة ..
وفي لحظات من الحلكة والظلام الدامس والرعب والعذاب أراكِ أمامي .. ثم تختفين فجأة كما دخلتِ فجأة .. ألا تردينني أن
أبكي أو حتى أحاول الانتحار .. إن اليأس بعد الأمل لهو مر مرارة العلقم ..
أذهلني منطقه ولهجته المثقفة عن كلِ شيء حولي .. أي جنون يستسلم له هذا الشاب في هذه الحجرة المغلقة ..
خرج صوتي بصعوبة وأنا أسأله:
ـ لماذا أنت هنا؟
لاحت ابتسامةٍ حزينة على شفتيه قبل أن يقول :
ـ عيديني أولاً بأن تزوريني كلما أمكنكِ ذلك بغض النظر عن ظروف قصتي ..
همست دون وعي :
ـ أعدك بذلك ..
ألقى برأسه إلى الوراء وهو يقول بصوت يقطر أسى ومرارة :
ـ باختصار آنا وحيد أمي بين ست بنات .. طلباتي كلها مجابة .. دلال وأموال وعواطف بلا حدود .. أكملتُ مرحلتي
الجامعية بِتفوق .. نعم لاتندهشي رغم كل شيء كنت أحب العلم ومتفوقاً فيه .. ثم أراد والدي أن يكافئني .. وكانت بداية
النهاية، فقد أهداني رحلة طويلة إلى عدد من العواصم العربية والأوروبية .. تعرفتُ أثناءها على عدد كبير من الفتيات، ثم
عدت إلى أرض الوطن .. وفي البداية لم أكن أشعر في شيء معين .. حتى كانت المصيبة عندما أردت التبرع لشقيقتي بدمي
فقد أصابها نزيف شديد أثناء الولادة احتاجت معه إلى نقل دم .. تقدمت للتبرع وفي اليوم التالي طلبني الطبيب على وجه
السرعة .. لم يدر بخلدي أي شيء .. ولم أتوقع أي شيء .. المفاجأة رواها لي الطبيب بهدوء .. قال أنني مصاب بالإيدز !!


وتوقف الشاب عن الحديث ليرى وقع كلماته على وجهي ..
وبالفعل كنتُ مذهولة لكن ليس لدرجة الاشمئزاز والإحتقار كما اعتقد هذا الشاب .. كان إشفاقي أكبر وحزني عليه أكثر ..
تابع بعد سعال تقطع :
ـ كان وقع الأمر على الجميع مذهلاً .. أمي بكت وانتحبت وشقت ملابسها .. اخوتي أخذن ينظرن لي بارتياب والحسرة
تنطق من وجوههن الحزينة .. أبي مرض مرضاً شديداً وأمضى أياماً بلياليها يهذي أنه هو السبب فيما حدث لي وانتابته
حمى شديدة أبت أن تغادره إلا ميتاً .. وبقيت وحدي في مواجهة العاصفة .. صدقيني .. ماحدث لعائلتي قد سلب مني
شعوري وإحساسي بمرضي .. فلم أشعر أنني مريض بهذا المرض قدر فزعي مما آلت إليه حال أسرتي ..
حتى شقيقتي التي كدت أتبرع لها بدمي طلقها زوجها حينما علم بأمري وخاصمتني هي ولم تسمح لي حتى بالنظر إلى طفلتها
الوليدة ..
وبعد ان انفض العزاء من حولنا وخلا الدار إلا مني وأمي واخوتي اتفقنا على كتم الأمر وعدم البوح به لأي كان .. يكفينا
رد الفعل الذي حدث من زوج أختي فماذا سيحدث من الناس الآخرين حتى لو كان أقرب قريب ..
وبعد حوالي شهر من وفاة أبي شعرت بزكام بسيط تدهورت أحوالي بعده .. خافت أمي علي فاضطرت إلى استشارة
خالي دون علمي .. غضب خالي وقال بأن ذهابي إلى المستشفى معناه الفضيحة للعائلة بأسرها وان طلاق أختي ليس هو
بداية الانهيار بل لو علم الناس فلن تتزوج أي من أخواتي الباقيات وسينهار مستقبلنا جميعاً ..
انفرد بي خالي وتكلم طويلاً ، وفهمت من كلامه أن من الأشرف لي أن أبتعد عن عائلتي وأموت بسلام في مكان آخر لا يعلم


فيه بأمري أحد ولا أعذب فيه أحد ، ولا أجني فيه على أحباء لي لاذنب لهم في شيء على الأطلاق ..
وفهمت أنني يجب أن أسافر وأبتعد فلا أمل في علاج أو حياة شريفة بعد ذلك .. ودعت أمي وأخوتي والدموع تفر من عيوننا
جميعاً .. حتى شقيقتي التي طلقها زوجها بسببي صفحت عني وبللت وجهي دموعاً وتقبيلاً .. فوجئت بخالي يقودني إلى
هنا بدلاً من المطار .. تساءلت لكنه أخرسني بقوله :
ـ لاحق لك أن تحتج على شيء فلا مكان لك سوى هنا .. ولا حاجة لنا بالمزيد من العار والفضائح فالزم مكانك حتى يقدر
الله لنا بعد ذلك أمراً .. وقبعت في زنزانتي الأنيقة أواصل الليل بالنهار أنتظر أملاً لا يجئ وقدراً لا مفر من انتظاره لا أرى
فيها سوى وجه خالي الذي امتلأ قرفاً واشمئزازاً وهو ينظر لي .. لقد كان في الماضي يجلني ويحترمني ويتمنى أن أوافق
على الزواج بابنته .. لكنني أنا .. أنا من ضيعت نفسي بنفسي .. أنا السبب ..
وانكفأ على وجهه يبكي ..
امتلأت عيناي دموعاً وقبل أن أتكلم نظرت إلى الساعة ، ففلتت مني شهقة فزع على الرغم مني .. لقد كانت الساعة تقترب
من الثالثة فجراً دون أن أشعر بالوقت ..
التفت لي بسرعة والدموع لاتزال تغرق وجهه .. قلت بصوت أجش وكأنه ليس صوتي :
ـ آسفة سأذهب فإن الوقت متأخر ..
قال بصوت متهدج :
ـ أتعدينني بان تزوريني من وقت لآخر ..
لم اجب .. فأردف بحرارة :
ـ لاتخافي فلست وحشاً مفترساً ولا مسخ إنسان .. إنما فقط أريد الترويح عن نفسي ، فأنا أعلم بأنني مريض وسأموت
خلال أشهر أو أسابيع أو أياماً معدودة .. ولن يضيرك شيء عندما تمنحين بعض دقائق من وقتك لإنسان مريض يسير
نحو حتفه ..
هتفت بالرغم مني :
ـ حسناً أعدك بذلك .. إلى اللقاء ..
وخرجت بهدوء وأغلقت عليه الباب بالمفتاح دون أن يطرف له جفن أو يتحرك ولو حركة واحدة .. تلفت حولي بحذر ..
كان البيت غارقاً في السكون كما ودعته قبل ساعات .. عرجت على حجرة الخادمة فإذا بها غارقة في سبات عميق .. مشيت
على أطراف أصابعي حتى حجرة نومي والقيت بنفسي على السرير كجثة هامدة لكنني لم انم .. بقي عقلي مستيقظاً نشطاً وقد غيرت هذه الأحداث من مسار تفكيري ، وكأنني لم أعد أنا .. أمعقول هذا الذي يحدث ؟ وكأنني أعيش فيلماً سينمائياً
سخيفاً .. خال يحبس ابن أخته في حجرة من حجرات منزل كأي قطة أو حيوان أخرس ويطعمه وهو ينتظر موته ؟؟
أنني لم أسأل الشاب أخاله هذا هو زوجي العم صالح ؟ ولماذا كان هذا الشاب يصرخ تلك الصرخات المرعبة ؟
أكانت آلام المرض تعصف به أم كان تعبيراً عن الغضب والوحدة والملل أم أنه يعيش كآبة لا تحتمل .. أو ربما هذه الأشياء
جميعاً ..
ذهلت من نفسي كيف استطعت الجلوس إليه والاستماع إلى قصته بمنتهى السهولة والبساطة وكأنني مع صديقة لي أو كاتمة
أسراري المعلمة فاطمة .. وهو أنني حتى لا أعرف أسمه .. بعينيه الذابلتين ووجهه الشاحب الحزين .. وكان يعاملني كشاب
مثله كصديق رآه فجأة بعد فترة انقطاع طويـلة .. أو كشيء أليف لديه ..

المدهش المبهر أنه لم ينظر لي كفتاة هبطت عليه فجأة من السماء .. لم يذهل .. ولم يستغرب الأمر وكأن عشرات الفتيات
يترددن عليه كل مساء ..
من هو هذا الفتى القابع في تلك الحجرة المغلقة .. وكيف يعيش ويفكر ؟.. أأنساه بسهولة بعدما عرفت قصته الدامية وأطوي
صفحته من وجودي وكأنه لم يكن .. وعهدي الذي قطعته على نفسي .. وشيء ما ابتدأ يتحرك في كياني ربما هو شفقة
وعطف على هذا الفتى المسكين .. لن أتخلى عنه بسهولة بعدما عرفت قصته .. إن حكايته تشبه حكايتي وإن اختلفت
الظروف .. كلانا يعايش الوحدة والمرارة .. ربما هو قادته هذه النهاية إلى ذلك المرض اللعين لكن نهايتي مشابهة لنهايته
فزواجي من هذا الشيخ لهو أسوأ من المرض وحكم مخفف للموت ببريق جذاب .. سأحاول أن أخفف وحدته وأسري عنه
مابقى من أيامه .. ولن يعلم بأمري أحد .. ونمت بهدوء بعد أن توصلت إلى القرار الخطير الذي لو علم به زوجي لما كفاه موتي على يديه ..
ذهبت إلى المدرسة خفيفة نشيطة على غير العادة رغم سهري تتألق عيناي ببريق السر التي تطويه الضلوع ويطفح وجهي
بالبشر وكأنني قد وجدت كنزاً لايقدر بمال .. سألتني معلمتي فاطمة عما جد من حياتي وهي تجوب بعينيها ملامح وجهي
وكأنها لتحاول سبر أغواري وكشف سري لكن جاوبتها بعيني بأن ليس كل مايعرف يقال وليست كل أسرار النفس مباحة
حتى لصديق ..
قلت لها :
ـ إن زوجي قلق بسبب عدم حملي حتى الآن ..
ابتسمت برقة وهي تهمس :
ـ إن موضوع الحمل يهم الرجال كثيراً .. لكن تساءلي قبلاً عن مدى ارتباطك بزوجك قبل التفكير بهذا الموضوع ، فإذا
كنتِ تشعرين أن حياتك مهددة وغير آمنة آمل أن تأجلي موضوع الحمل قليلاً حتى تستقر امورك تماماً وإذا لم تستقر الغي
الفكرة من تفكيرك كلياً ..
قلت لها بجدية وقد نسيت موضوع الفتى المريض :
ـ وزوجي هل يرضى بذلك ؟


قالت بعذوبة وهي تغمز بعينيها :
ـ سيرضى مادمتِ راضية ..
فعلاً انا لم أفكر بموضوع الحمل بهذه الجدية من قبل فقد كان الأمر لدي سيان لذلك قبلت الذهاب معه لتلك الطبيبة .. لكن
معلمتي على حق فإن إنجابي وسط هذه الظروف ليس من صالحي ولا من صالح الطفل المرتقب .. فلست متأكدة أنني
سأعيش مع زوجي بقية العمر ثم أنني لا أعرف حتى الآن ماذا حدث لأبي وزوجته وشقيقي أحمد .. فكيف أشعر بالاتقرار
والراحة وأنا لا اعرف مصير أخي وموقف أبي مني وزوجته التي ربما ينكشف أمرها بين لحظة وأخرى ، فالحقيقة لابد أن
تظهر مهما ساد الظلم وطغى واستمر ..
قلت لمعلمتي بإصرار :
ـ أنتِ على حق يا أبلة فاطمة .. يجب أن ألغي هذا الموضوع من فكري تماماً وسأعمل بجدية على تلافيه ..
عدت إلى البيت وقد عرفت طريقي جيداً بفضل معلمتي .. كنت فرحة جذلى .. مررت بتلك الحجرة وأنا ماضية إلى المطبخ ..
كدت أطل على ذلك الفتى البائس لألقي عليه تحية الصباح والمساء ، لكنني تجاهلت كل شيء وأنا أرى زوجي جالساً في
الصالة ينتظرني ..


نظرت إلى وجه زوجي برهبة .. بحثت في عينيه عن خبر ما أو قصة يمتلئ بها كياني .. كانت تصرفاته عادية .. الشيء غير
العادي كان يكمن في أعماقي .. هدأت نفسي قليلاً "إذن لم يتسرب خبر زيارتي لذلك الفتى المسجون في الحجرة" ..
قلت له بارتياح :
ـ هل تريد الغداء حالاً أم تفضل النوم أولاً ؟
قال بهدوء :
ـ بل عجلي بالغداء ، فأنا سأنام قليلاً ثم أسافر على رحلة الساعة الرابعة إلى جدة وسأعود غداً في المساء ، فلا أريد
التأخر على موعد الرحلة ..
صفق قلبي طرباً .. إذن سأستطيع هذه الليلة أن أزور ذلك الفتى البائس ، ولن يمنعني زوجي من أن أفي بوعدي لذلك
الشاب الذي لا أعرف اسمه حتى الان ..
مر اليوم سريعاً لأجد نفسي في الظلام الدامس ..
فتحت باب الحجرة بهدوء شديد ودخلت بهدوء أشد .. كان نائماً أو هذا ما أوحى به إليه الظلام الدامس السائد في الحجرة ..
أشعلت النور لأجده بالفعل نائماً بسلام وخصلة ممتدة من شعره ترقد على عينيه .. تأملته بإشفاق أنه ساكن هادئ كطفل
وديع لا يعرف شرور الدنيا وآثامها .. فتح عينيه فجأة ليراني أمامه .. ابتسم وهو يزيح الخصلة المتمردة من شعره من
فوق عينيه ويحاول النهوض قليلاً ليستوي جالساً .. شققت السكون من حولي بقولي له :
ـ ها أنذا قد وفيت بوعدي لك وأتيت ..
اتسعت ابتسامته وهو يجيب :
ـ أشكركِ على كرم نفسك ولكن من انتِ ؟..


:.:.:.:.:.:.:.:.:.:..:.:.:.::.:.:.

همسة حب ..:: عضو مميز ::..

(( الجزء الثامن ))

استدلت رموشي على عيني وأنا أهمس :
ـ أنا زوجة العم صالح .. الثانية ..
ندت عنه صرخة استنكار عالية .. نهضت من مقعدي بخوف وأنا أتأمله بفزع .. قال بارتعاش واضح :
ـ آسف لم أقصد إخافتك .. لكنني اعتدت منذ سجنت في هذه الحجرة على الصراخ لأتفه سبب فإن في الصراخ عزاء لي
مما أُعانيه في بعض الأحيان .. اعذريني على دهشتي أيضاً فلم أتوقع أن يتزوج خالي على زوجته أم سليمان .. ثم يتزوج
من ؟ فتاة صغيرة في سن صغرى بناته .. لقد جُن خالي بالتأكيد ..
قلتُ بِهدوء :
ـ إذن فالعم صالح خالك ؟
أجاب بعد سعال طويل كاد أن يُمزق صدره ..
ـ نعم إنه خالي شقيق أمي الأكبر .. إنهُ يحب زوجته أم سليمان ويُقدرها ويحسب لها ألف حِساب .. إنها هي التي صنعته
ولولاها أو بالأحرى لولا أموالها الكثير لما كان خالي صالح يعيش في كُل هذا العز ..
سألتهُ برهبة : ـ وهل لدي أولاد كثيرون ؟
وضع يديه على رأسه وكأنهُ يُعاني ألماً لا يُطاق ثُم قال بعد برهة :
ـ لديهِ سبعةُ أولاد .. أربع بنات وثلاثة أولاد .. خمسة منهم متزوجون ولديهم أطفال، وإثنان لا يزالان مع أمهما .. ولد
وبنت .. الولد موظف في البنك المركزي والبنت في سنك لاتزال تدرس ..
ثم استدرك بعد قليل:
ـ إنني لا أعرف اسمك .. وماهي ظروف زواجك من خالي، لابد أنكِ كنتِ مجبورة إذ أنني لا أُصدق أن فتاة في مثل جمالك
وشبابك تقبل برجل عجوز على حافة القبر مثل خالي ..
امتلأت عيناي بالدموع وأنا أحكي لهُ كُل شيء، وكأنني أُحادث صديقه حبيبة إلى قلبي لا شاب التقيته في ظروف مُريبة
وغريبة .. شاب مُصاب بالإيدز مسجون في حُجرة في فِيلا لايعرف الطريق إليها أحد .. نعم هذه الحقيقة وإن تجاهلتها أحياناً
حكيت لهُ عن موتُ أُمي ثم شقيقتي الحبيبة ريم ثم زواج أبي وعذابي مع زوجته لأنتهي بالقصة التي دمرتني الحكاية التي
لفقتها ليصدقها أبي، وانتهت بي إلى هذا المصير المُحزن .. استمع إلي بِهدوء وبِإنصات شديد كان يذهل لكل فقرة من
حكايتي وتدمع عيناه لأقل كلمة حزينة .. كان يشعر بِشعوري ويَحس بِإحساسي وكأنهُ أقرب قريب إلى نفسي .. لو كنت
التقيته في غير هذهِ الظروف وغير هذا المكان والزمان .. لاختلف كل شيء وانتهيت إلى غير ما انتهى عليهِ الآن ..

قلت له لأنسيه همي :
ـ كيف تقضي أوقاتك هنا في هذه الحجرة المعزولـة .. لماذا لا تثور على سجانك وتحاول الخروج من الأسر الوهمي
الذي وضعته حول نفسك ..
قال ولا تزال بقايا قصتي عالقة بذهنه :
ـ كلانا يعيش ظروفاً مماثلة .. لماذا لا تثورين أنتِ على سجانك وتحاولين الخروج من الأسر .. أرجوكِ لا تجيبيني الآن ..
فكري أولاً .. فكري بعمق ثم أجيبيني على سؤالي .. وسأجيبكِ بدوري على سؤالك .. اتفقنا ..
هززت رأسي علامة الموافقة وسؤاله يخترق قلبي كنصل مسموم .. لما لا أثور على سجاني .. لماذا أبقى في الأسر وإلى
متى ؟؟!!
أيقظني سعاله الحاد ثم همس بصوت مبحوح :
ـ هل تنوين أن تقضي ليلتك هنا .. إن الفجر على وشك أن يبزغ ..
اندفع الدم إلى وجهي بحرارة حارقة .. استشعرت الخجل العميق .. هالني عدم رغبتي في مغادرة حجرته على الإطلاق ..
قلت دون ان أنظر نحوه :
ـ لقد مر الوقت سريعاً ، فلم أشعر به .. الوداع .. واستدرت سريعاً خارجة وأنا أسمع همسته الأخيره سأنتظرك يا .. يا ..
قلت دون أن ألتفت :
ـ منى ..

قال بصوت اخترق أعماقي :
ـ سأنتظرك يا منى .. أرجوكِ لا تنسي " وليد " ..
أغلقت الباب عليه بالمفتاح وأنا أفتح ألف باب وباب في قلبي الصغير .. ماذا يحدث لي .. ماهذا التحول السريع الذي يسري
في كياني كمسرى الدم في العروق .. أغمضت عيني بصعوبة وكأن بداخل كل عين جمرة تتلألأ بكل حرارة الدنيا .. طار النوم
من عيوني تلك الليلة ، فلم أستطع الإغماض ولو للحظة .. ما الذي يحدث لي ..ولماذا أورد نفسي المهالك .. لقد كنت لاهية
سعيدة قبل فتح تلك الغرفة اللغز .. كنت اعيش حياتي بهدوء قبل أن أرى عيني وليد , واستمع لحكايته .. كان كل شيء في
حياتي يسير في نظامه المعهود .. أذهب إلى المدرسة ثم أعود لأتغدى مع زوجي وأنام وأصحو لأذاكر حتى المساء وهكذا
دواليك حياة روتينية كانت هادئة لم يغشاها هذا الشيء اللاهب اللاذع الذي يقلب كل شيء رأساً على عقب ..
ترى ماذا فعلت بنفسي وأي منقلب أهوي إليـه .. إن هذا الشاب رغم أنه مريض بأخطر مرض في الوجود ويعلم نهايته
القريبة إلا أن فيه شيئاً كالمغناطيس يجذبك إليه رغماً عنه وعني .. ترى ماهذا الشيء الذي يجذب ويحرك اعتى القلوب
وأقساها هل هي عيناه الذابلتان المنكسرتان .. أم شفتاه المملوءتان سخرية واشمئزازاً ..
أم هو شعره الساقط دوماً على عينيه .. أم ربما شيء آخر .. شيء ما يكمن شخصيته الحزينة .. ربما إحساس بمأساته
لا أكثر ولا أقل أو ربما هي شفقة وعطف .. ترى هل يمكن أن تتحول الشفقة يوماً ما إلى .. حـب .. صرخت من أعماقي
كلا .. مستحيـل .. والحل ؟ هل أصارح معلمتي فاطمة بما يحدث من أمري .. طردت هذا الخاطر فوراً من ذهني ..
فصحيح أن معلمتي فاطمة هي أقرب إنسان لي , ولكنها في هذا الموضوع بالذات لن تفهمني وربما تعاتبني وتنهرني بشدة ..
كلا .. لن أصارحها بشيء .. ولكنني سأقف صامدة وأواجه نفسي بقسوة .. إن مايحدث لي ضرب من الجنون لن أستمر
فيه مهما حدث .. فلو استمر ستحدث مصائب عديدة أنا في غنى عنها , فلو علم زوجي بأمري فربما يقتلني أو يطلقني
على أحسن الفروض .. ثم من هو هذا الشاب حتى أربط مصيري بمصيره .. كلا لن أزوره بعد اليوم ..

وعاد زوجي من السفر في الغد , وقضيت معه فترة المساء في ملل لا يطاق .. عجباً رغم أنني حاولت باستماتة أن أنسى
كل ما يتعلق بذلك الشاب وليد وأن أطوي كل شيء في صفحة الماضي , إلا أنه بعيش معي كل لحظة من حياتي أراه في
عيون زوجي وفي تحدثه لي .. وفي حركاته وإيماءاته في كل لفتة وكل لمسة ..
لم أنتبه إلا حين تكلم زوجي قائلاً :
ـ مابكِ يا منى .. لستِ على طبيعتك التي عهدتها .. هل أنتِ متعبة ؟
أنقذني السؤال والإجابة من حيرتي .. فقلت باستسلام :
ـ نعم .. نعم فأنا متعبة اليوم ..
لدهشتي الشديدة فقد تألقت عيناه بفرح طاغ .. ثم قال برقة :
ـ هل أنتِ حامل يا منى ؟
ارتبكت أكثر وازدادت حيرتي .. هل أكذب وأقول له أنني حامل رغم مايعتري هذا الأمر من صعوبات بالغة .. أم أنفي هذا
الأمر فيفكر زوجي بعشرات الأسباب لتغيري .. قررت حلاً وسطاً بين الاثنين ..
قلت بابتسامة لاهية :
ـ حقاً لا أعرف .. لكنني أشعر بالتعب الشديد هذا اليوم .. وجدتها فرصة لأستأذن منه وأنام وأرتاح من الجلوس معه
الذي يشكل لي مهمة شاقة بت لا أقوى على احتمالها ..

وبعد أن ألقيت برأسي على الوسادة لم أستطع النوم بسهولة عادت لي الذكريات القريبة مع وليد .. استعدت حوارنا
كلمة كلمة .. أعادت ذكرياتي سؤاله الجريء مجسماً بشعاً مخيفاً ..
لماذا لا تثورين على سجانك وتحاولين الخروج من الأسر ..؟
وهل استطاع سجين أن يثور على سجانه يوماً ثم يخرج بسهولة من سجنه.. ألم يكن هناك ضحايا وتضحيات .. ألم يكن
هناك دماء وأشلاء ..
وكيف أثور ولمن أذهب بعد ذلك .. إلى أبي الذي تخلى عني بكل سهولة , وكأنه ينفض عن كاهله عبئاً ثقيلاً .. أم لزوجته
تلك الحية الرقطاء التي لا تتورع عن فعل أي شيء لتزيحني عن طريقها الآثم .. لمن ألجأ ولا أهل لي وهل سيفيدني هو؟؟
الشاب التعس المحكوم عليه بالسجن حتى الموت .. هل يصلح كحائط أتكئ عليه في قادم أيامي ؟؟
أسئلة حادة تطرق رأسي بلا إجابة .. لكن لا لم يحن الوقت لأثور على من باعني وإشتراني ليس الآن بالتأكيد , لأنني مازلت
بحاجة لشاطئ آخر يحضنني بعد أن تلفظني أمواج الحياة .. ولن استسلم أبداً ..
لحق بي زوجي بعد فترة من الوقت تظاهرت بأنني نائمة .. أدار ظهره لي ونام ليعلو غطيطه بعد لحظات ويعكر السكون من
حولي .. لماذا أضحى كل مايفعله زوجي منفراً ومثيراً للاشمئزاز أكثر مما كان في السابق .. لماذا بات هماً ثقيلاً على صدري
كحجر أعجز عن حمله .. لماذا كرهت نظراته فجأة وضحكاته وكلماته .. كلا .. كلا .. إنه زوجي مهما يكن .. ومهما حدث
هو جسري الذي سأعبر عليه إلى المستقبل .. إن خسرانه ليس من مصلحتي أبداً .. بل على العكس يجب عليّ أن أكسبه وأحاول التفاني في حبه وخدمته أكثر من الأول .. يجب أن أنسى تلك الحجرة المنزوية في ذلك الركن وأن أنسى ساكنها
ذلك الشاب الذي يتحدث من العالم الآخر ..
حاولت من غدي الاهتمام بدروسي أكثر فأكثر فالامتحانات على الأبواب , ونجاحي هو همي الأكبر وطموحي الأول في سلسلة
مطامحي الكثيرة ..
ذهبت إلى إحدى الصيدليات سراً وابتعت مانعاً للحمل لأتمكن من مواصلة رحلة كفاحي بنجاح بدون أطفال أو جراح أو عذابات
مرت أيام كثيرة وأنا اتجاهل تلك الحجرة وذلك القابع فيها ينتظرني بلهفة .. بلهفة أنا متاكدة من وجودها لأنها تحاكي لهفتي
وتؤكدها .. كنت أسمع الصرخات أحياناً ويتمزق قلبي وتتوتر أعصابي , لكنني أتمالك نفسي بصعوبة وأمضي في المذاكرة
غير عابئة بشيء واضعة نصب عيني موقفي الحرج واوضاعي الصعبة ونجاحي المطلوب ..
وفي إحدى ليالي الشتاء الممطرة , كنت مستلقية على الأريكة الكبيرة أذاكر دروسي فقد كان امتحاني في الغد الباكر ..
سمعت صرخة خافتة منبعثة من الحجرة .. هززت كتفي بلا مبالاة رغم الألم الذي يهتف في أعماقي .. وبعد لحظات فوجئت
بصوته ينادي أسمي ( منى .. منى ) جزعت .. نبض قلبي بقـوة .. وتصلبت قدماي في خوف شديد .. هل جن هذا الفتى ؟


كيف وصل به الأمر إلى مناداتي باسمي بهذه الطريقة ..
وحمدت الله أن زوجي كان في بيته الثاني والخادمة نائمة وإلا لكانت مشكلة عظيمة .. تناولت المفتاح من مخبئة وأسرعت
إلى الحجرة أفتحها بيد مرتعشة .. فوجئت به أمامي .. أصابني دوار من شدة الصدمة .. دخلت بسرعة وأغلقت الباب خلفي
لأصبح أمامه مباشرة .. كان طويل القامة بشكل لم أكن أتصوره وهو راقد في سريره ..
تمالكت أعصابي وأنا أهتف :
ـ كيف تجرؤ .. كيف تواتيك الجرأة على مناداتي بهذا الشكل .. ألا تخشى أن يسمعك أحد غيري ..؟
ابتسم بمرارة وهو يجيب :
ـ لقد تأخرتي علي كثيراً وافتقدتكِ بشكل لا تتصورينه , حتى خشيت ان يكون قد أصابكِ مكروه .. فقررت أن أتأكد بنفسي ..
ولا تخافي فأنا أعرف متى يكون خالي موجوداً في المنزل من عدمه ..
قلت بغضب :
ـ مهما يكن من أمر , فأنا لا أسمح لك إطلاقاً بهذا التصرف الجريء .. أرجوك ليس معنى أنني قبلت ان أتحدث معك أنني
أقبل أي شيء ..
ابتعد بسرعة .. ومضى إلى سريره ليلقي نفسه فيه بتثاقل ثم تناول محرمة ورقية يسعل فيها بشدة خلت معها أن صدره
سينشق عن ضلوعه ..
نظر إلي ودموع حائره تلوح في عينيه .. قال بصدق :
ـ كنت أظن بأنكِ تبادليني نفس شعوري رغم كل شيء .. كنت أعتقد بأن العهد الذي بيننا أقوى من أي شيء آخر في الدنيا..
كنت أعتقد بأنكِ الوحيدة التي أحسست بي وشعرت بمعاناتي وشاركتني همومي ..
صمت .. لتتحدث دموعه ..
ثم أضاف بحرقة :
ـ لكن يبدو أنني هم آخر أضيف إلى همومك وعبء ثقيل لا طاقة لكِ بحمله .. إنني أتمنى الموت على أن يحدث هذا الأمر ..


:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.

همسة حب ..:: عضو مميز ::..

(( الجزء التاسع ))

ثم أضاف بحرقة :
ـ لكن يبدو أنني هم آخر أضيف إلى همومك وعبء ثقيل لا طاقة لكِ بحمله .. إنني أتمنى الموت على أن يحدث هذا الأمر ..
صدقيني أنا لا أجبركِ على شيء فإذا شئتِ فاذهبي , وأعاهدك بأنني لن أناديك بعد اليوم .. وسأنسى اسمك ورسمك وكأنني
لم أركِ أو أعرفك ..
ثم أشاح بوجهه قائلاً :
ـ أذهبي ..
موجة هائلة من الحزن اجتاحتني بقوة , أحسست بقلبي ينقبض وكأن أيدٍ هائلة تعتصره بقسوة ..
طفرت من عيناي دموعاً وأنا أقول :
ـ أرجوك ياوليد لا تفهمني خطأ .. أنا لا أحتقرك ولست عبئاً يضاف علي لكن وضعي ليس صحيحاً ..
أفرض لو عرف أحد بأمرنا ماذا سيكون ؟ ماذا يعتقدون بنا ؟ بل ماذا سيفعلون بنا ؟
تألقت عيناه بنظرة حالمة وهو يقول بصوت خافت :
ـ لايهم ماذا يعتقد الآخرون مادمنا لم نفعل شيئاً نندم عليه .. أنتِ تعرفين مصيري وتعرفين أنكِ مجرد صديقة جاد علي
بها الزمان في آخر أيامي ..
قاطعته باكية :
ـ أرجوك لا تقل هذا الكلام .. إنك لن تموت .. إن الأعمار بيد الله وحده وهو القادر على كل شيء .. عنده الداء والدواء
فلن نيأس ..

نظر إلي بدهشة وهو يهتف :
ـ أتحبينني كما أحبك !!
شهقت فزعـة .. يالصراحته الجارحة ..
تابع بصوت رقيق :
ـ أعذريني يامنى على صراحتي , فليس في حياتي متسع للصبر والإنتظار فأنا أحبك حقاً .. أحبك منذ رأيتكِ أول مرة ..
وانتِ أيضاً تحبينني .. لكن حبنا محكوم عليه بالفشل الساحق ، فأنتِ متزوجة وأنا مريض بمرض لا شفاء منه .. لكن هذا
لا يقضي على الحب الذي هو آخر أمل أودع به حياتي القصيرة ..
انتحبت باكية دون أن أنبس بكلمة .. جاءني صوته مضخماً بالحب والعذاب :
ـ أنا لا أمل لي في نجاة أو شيء من هذا القبيل .. ولكن الأمل كبير أمامك يامنى , بإمكانكِ أن تطلبي الطلاق من زوجك
وأن تتابعي دراستك ثم .. تتزوجين من شاب مرموق يستحقك ..
شعرت باليأس يطوقني بأغلاله المستحيلة .. هتفت بقوة :
ـ لن أتزوج بعد ذلك .. سأعيش لأخي فقط ..
نكس رأسه بأسى وهو يقول :
ـ لو شفيت سأتقدم لخطبتك وأتزوجك .. لكنني لن أشفى وسأموت وحبكِ يملأ روحي وعقلي وقلبي ..
قلت ودبيب من الأمل يتسلل إلى أعماقي :
ـ إن الله قادر على كل شيء والعلم يتطور كل يوم .. وكل ساعة قد تأتي بجديد فلا تيأس وسأدعو لك ..
انتزعت نفسي من مقعدي انتزاعاً .. قلت وأنا أبتسم من بين دموعي :
ـ إلى اللقاء ..
قال بأسى :
ـ هل ستعودين ؟


أجبت بحرارة :
ـ نعم سأعود ..
وخرجت بسرعة وأقفلت الباب عليه .. واستمرت اللقاءات يسترها الليل ويضمها الصمت في ردائه .. ونجحت نجاحاً باهراً
أخر العام .. لكن زوجي ما فتأ يطاردني بالسؤال المر الذي كرهته كما لم أكره شيئاً في حياتي .. هل انتِ حامل يامنى ..
أخيراً قررت ان أثور عليه وأن أعلنها بوجهه صراحة .. فبعد أن استلمت شهادة نجاحي قلت بهدوء :
ـ لقد نجحت وبامتياز ..
قال بلا مبالاة :
ـ مبروك ثم استدرك وفي عينيه بريق مفاجئ :
ـ ومتى نقول مبروك للقادم الجديد ؟
قلت وابتسامتي لا تزال على شفتي :
ـ أي قادم وأي جديد ؟
ضحك بعصبية وهو يقول :
ـ أقصد متى نفرح بحملك ؟
جابهته بثورة عاتية :
ـ لن تفرح بشيء ولست حاملاً ..
ثم أن الطبيبة أفهمتك بانني لا أعاني من أي مرض يعيق الحمل فلماذا هذا الاصرار وحرب الأعصاب إذا لم تستطع الانتظار
فتزوج بأخرى ..
وكأنني ألقيت بوجهه ماء بارد فقد هدأت ملامحه واسترخت أعصابه واقترب مني محاولاً إرضائي , لكنني كنت قد كرهته

ونفرت منه نفوراً شديداً بقدر حبي لوليد ..
فلم أرضى حتى قدم لي ساعة مطعمة بالماس الذي يخطف الأبصار .. وقد اعتدت منه هذه الطريقة , أهجره ويراضيني بهدية
قيمة .. فجمعت قدراً من المجوهرات النفيسة التي لا تقدر بمال ..
وما أن جلست أتأمل الساعة الجميلة بشغف حتى خطر لي خاطر .. لماذا لا أطلب الطلاق من زوجي , فالوقت ملائم لي ,
فقد حصلت على الشهادة الثانوية وجمعت كنزاً من المجوهرات أستطيع أن أعيش من ثمنها حتى أكمل دراستي الجامعية
ثم أن عندي عقاراً كتبه لي زوجي بإسمي فيمكنني ان أعيش فيه بحرية دون أن أتنازل لأبي وزوجته وربما أستطيع إحضار
شقيقي أحمد ليعيش معي ويبتعد عن تلك الأفعى زوجة أبي التي بالتأكيد تعذبه باالليل والنهار ..
ووليد ..
دوت هذه الكلمة في أعماقي وكان لها رنين مزعج معذب .. انقبض قلبي فجأة ودمعت عيناي , فقد تدهورت أحواله في الفترة
الأخيرة تدهوراً شديداً .. وقل وزنه بدرجة ملحوظة وشحب لونه أكثر من ذي قبل وغدا لا يستطيع مغادرة الفراش إلا لماماً ..
انه يموت .. لا لن أدعه يموت .. على الأقل لن أدعه يموت بين يدي .. لن يموت بدون أهل ولا سند وبدون معونة الأطباء


والتقدم العلمي .. سأفعل شيئاً لأجله .. لن يكون ضحية أنانية خاله وخشيته من الفضيحة .. ألا يدري هذا الخال الجاهل بأن
الفضيحة هي ماسطرها هو بيديه .. الفضيحة ليست بالمرض حتى ولو كان مرضاً خطيراً جلبه شاب طائش بنفسه لنفسه ..
بل الفضيحة هي التستر على المرض وحبس المريض في حجرة ليموت في عزلة عن الناس ولن يترحم عليه أحد ..
كلا .. لن أكمل المسيرة وأتستر على ماعشت قصته بنفسي وتبوأ بقلبي وسرى سريان الدم في شراييني ..
كان الوقت صباحاً .. زوجي في عمله والخادمة تعمل في الطابق الثاني من البيت وأنا في إجازة مدرسية .. فتحت الحجرة
على وليد .. كان نائماً .. فتح عينيه بصعوبة .. ذهل من وجودي في هذا الوقت من الصباح فلم يعتد على رؤيتي إلا ليلاً ..
قلت له بسرعة :
ـ وليد .. هيا .. سأصحبك إلى المستشفى ..
نظر إلي بريبة وكانه ينظر لشخص مجنون ..
تابعت بهدوء وروية :
ـ أنت في حاجة إلى علاج .. او على الأقل إلى أناس تتعاطف معك .. تحس بمرضك .. تتفهم اعراضك .. انفرادك هنا
بزنزانة لا جدوى منه بل سيعجل في القضاء عليك ..
هتف وقد تفهم الأمر :
ـ والفضيحة ؟
قلت بجدية :
ـ لا عليك .. لست أول ولا آخر شاب يخطئ .. ثم ألا تشعر بالحرمان لابتعادك عن والدتك وشقيقاتك .. أنت الآن بأمس


الحاجة إلى حنانهن وصبرهن وتفهمهن .. أنت بحاجة إلى الدعاء من القلب .. الدعاء الصادق من الأعماق .. لعل الله
يغفر ويستجيب .. إن الله غفور رحيم هيا بنا .. بسرعة ..
نظر إلي بإعجاب قائلاً :
ـ إنكِ بهذا تضرين نفسك .. سيعلم خالي وستكون الطامة الكبرى .. ربما يطلقك ..
ضحكت بسخرية وأنا أقول :
ـ وهذا هو ماأريده .. ثم تابعت بابتسامة :
ـ لا تخشى شيئاً لن يعلم أحد .. هيا ..
سعل بشدة وهو ينهض قائماً ثم قال وصدره يعلو ويهبط :
ـ صدقيني لقد كنت سأعرض عليك هذا الأمر منذ زمن , لكنني خشيت أنت تفهميني خطأ وتعتقدي بأنني أستغلك .. صدقيني
قاطعته وابتسامتي لا تزال على شفتي :
ـ لاداعي للكلام الآن , هيا ولنؤجل كل شيء حتى وقت آخر .. من يدري ربما حين تشفى سيكون لنا متسع من الوقت
حينذاك ..
أغمض عينيه بشده حين رأى النور لأول مرة منذ شهور طويلة مضت .. بدا مرتبكاً حائراً ومريضاً .. استعجلته وأنا أنادي
سيارة الأجرة .. وفي المستشفى الكبير اجتمع حوله الأطباء وهم يتدارسون حالته .. تسللت إلى الخارج بهدوء دون أن
يشعر بي أحد بعد أن أنهيت مهمتي بنجاح ..
استلقيت على فراشي الوثير بعد أن تأكدت من إغلاق تلك الحجرة التي يسكنها وليد جيداً .. بدأت استعد نفسياً لهبوب
العاصفة .. وأرى زوجي بعين خيالي وهو يقلب البيت رأساً على عقب بحثاً عن وليد ويواجهني بتهمة تهريبه .. لن أنكر
سأعترف ببرود وليفعل كل ما باستطاعته فعله .. ولن يستطيع أكثر من الطلاق وهذا هو مناي الذي عشت ليالي وأياماً
بانتظاره.. لن أبكي ولن أندم فهذا قدري وأين يفر الإنسان من قدره ؟
لم استطع النوم وتفكيري يتشعب في كل الاتجاهات كعاصفة لا تدري مستقرها .. فتحت عيناي على صوت زوجي .. نبض
قلبي بقوة .. تأملت وجهه والعرق الغزير يبلل جسدي , لكن وجهه كان جامداً لا يعبر عن شيء ..


لم يتغير فيه شيء البته ..
يبدو وكأنه لم يعرف شيئاً بعد ..
قال كعادته :
ـ هل الغداء جاهز ؟ أم أنام قليلاً حتى يجهز ؟
نهضت بسرعة وقد أخفيت عيناي تحت رموشي وأنا أقول بحرارة مصطنعة :
ـ حالاً سيكون جاهزاً ..
وأسرعت إلى الطابق الأرضي وقلبي لا يزال يخفق بقوة .. انه لم يكتشف بعد اختفاء وليد .. وربما يمر اليوم بطوله دون أن
يكتشف شيئاً .. فهل سيستمر توتري حتى اكتشافه للأمر .. كلا .. يجب أن أتجاهل كل شيء وكأن شيئاً لم يكن .. ولن يحدث
إلا ماقدره الله لي ولن أندم ..
في المساء وبعد أن عدت من السوق , اكتشفت التغيير الهائل الذي طرأ على زوجي .. عيناه الزائغتان ووجهه الممتقع
وتقوقعه في ركن من أركان البيت إلى جوار الهاتف ويداه ترتجفان بشدة .. هوى قلبي بين أقدامي , لكنني أيقنت بأنه قد
أكتشف اختفاء وليد .. استجمعت شتات نفسي لأواجه زوجي بكل شجاعة وثبات .. قبل أن أنطق بكلمة قال بسرعة وارتباك:
ـ اصعدي إلى حجرتك .. هيا بسرعة .. فهناك ضيوف قادمين ..
سألته ببراءة :
ـ لماذا .. ماذا حدث ؟
قال بارتباك وقد غاب عنه أنني قد أكون السبب في كل ما يحدث :
ـ أبداً أحاول أن أجري بعض الإصلاحات في البيت وتجديد بعض الحجرات فيه .. هيا اصعدي سيحضر بعض العمال الآن ..
صعدت إلى فوق وأنا أكتم ضحكة كبرى كادت تفلت مني دون شعور .. ابتسمت بجذل وانا أصعد الدرجات بسرور ..
أسعدني غضبه وحزنه وارتباكه وغفلته عن كل مايحدث ويحدث ..
:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.:.


Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2024, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية