إلى الشعب التونسي ….
السلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته
وبعد…
لم يكن يدري أبوالقاسم الشابي أنه سيخرج من أرضه ذلك الشعب المناضل ؛لتكون أبياته شهادة لعصر جديد في “تونس” الذي صطر الملحمة قبل أن يراها في قوله :
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر
وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر
،لم يكن يعي أن تلك الأبيات التي رضع الصغار كلماتها آنذاك ستفجر تلك المكامن في نفوس الشعب الذي يرزح تحت حكم الطغاة الآن،ثم مالفرق بين ما يعيشه الشعب التونسي وما تعيشه شعوب المنطقة العربية ؛أضنه لافرق سوى أمر واحد جليًا تميز به أفراد هذا الشعب؛ إنها “الإرادة ” التي تحدث عنها شاعرهم “أبو القاسم الشابي” في قوله :
إذَا مَا طَمَحْـتُ إلِـى غَـايَةٍ رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر
وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُـورَ الشِّعَـابِ وَلا كُبَّـةَ اللَّهَـبِ المُسْتَعِـر
وَمَنْ لا يُحِبّ صُعُودَ الجِبَـالِ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَـر

جميلة هي تلك العزيمة التي تضيئها كلمات الصادقين ، هنا الغاية السامية للأدب ،هنا جوهر الكلمة تتمثل بأبها الصور،هي كقطر الماء تهمي رويدا رويدا ولكنها تفت الصخر ، أشد ما يخافه الطغاة سهم الكلام لذلك تراهم يضربون الأعناق لمجرد كلمة حق يصدح بها قائلها للناس ،خصوصا حكام المنطقة العربية ؛لأنهم يعلمون أن للكلام عند العرب شأن عظيم منذ الأزل ولازالت تلك الجينات(التأثر بالكلام) تتوارث أبا عن جد .

وهاهو التاريخ يعيد نفسه من جديد ،لتتفسخ الأقنعه ،ويظهر العدو شاهدا على جرائمه من حيث لا يعلم ،وهاهي فرنسا بعدما كانت تدعم الحاكم وتحرضه على ظلم محكوميه ، تتخلى عنه وتوليه الأدبار مع أول عقبة ليواجهها وحده ،وتظهر أمام الشعب أنها النحرير الذي طرد حاكمها العنجهي المتسلط عندما طلب النجدة “وهذا والله دأب السياسة القذرة “ ؛لتسول لنفسها وشبيهاتها “الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا “أنها الشجاع الذي سينقذ الشعوب المستضعفة لنصرها ،و والله إنهم لنجس ،لايلجون مكانا إلا ويعثون في أرضه الفساد،ذكرني هؤلاء بموقف الشيطان في الآية الكريم{ كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (16) } [سورة الحشر (59): الآيات 16 الى 17]
،هاهو التاريخ يثبت لك أيها الشعب العظيم كيف تكشف الذئاب عن أنيابها بينما تضل ليلى حائرة بين أسمال جدتها وأنياب الذئاب ،( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) [المنافقون : 4]

إي شعب تونس ،هنيئا لكم هذا النصر المؤزر فما أحد سبقكم من العالمين في وطننا العربي لهذا الشرف ،أثبتم قول شاعركم :
وَأَعْلَنَ في الْكَوْنِ أَنَّ الطُّمُوحَ لَهِيبُ الْحَيَـاةِ وَرُوحُ الظَّفَـر
إِذَا طَمَحَتْ لِلْحَيَاةِ النُّفُوسُ فَلا بُدَّ أَنْ يَسْتَجِيبَ الْقَـدَرْ

إي شعب تونس ،فالأنتم الأمل الذي جدد فينا الميت من أحلامنا ،أيقضتمُ يرقات ديدان الأمل فراشات تعيد صورة الجمال لأوطاننا فوق خرائطها …ولازلنا معكم نردد قول شاعركم :
“ويمشيْ الزَّمانُ، فتنموْ صُروفٌ وتذْوي صُروفٌ، وتحْيا أُخَر
وتُصبحُ أحلامُها يَقْظةً، مُوَشَّحةً بغُموضِ السَّحر”

إي شعب تونس ،ظهر من نسلكم “محمد بوعزيز ” نواسيكم عمر شبابه الذي هدر ،وكم من شباب هدرت أيادي التخاذل أعمارهم ؟!،ها أنتم انتصرتم بموته ،الله أعلم وأرحم بكثير مما نتخيل به ،هل تستحق الحياة موته ؟! تقولون “رب ضرة نافعة” ،نعم كانت نافعة لدرجة أنه هو نفسه لم يتخيل أن الحياة بعده باسطة يدها لأمثاله لتأخذ بأيديهم وتنساه رمادا في قبره ، موازين الحياة صعبة وقاسية …قاسية جدا يا “بو عزيز”.

أيا شعب تونس الأبي ،لازلتم تسطرون لأمثالنا العبر ،فلا تخذلكم أيادي النفاق ،ولا يتربص بكم العدوا فيسحقكم بعد نصركم،ولابأس أن تضطرب الأجواء قليلا ،هذه ضرائب فاتورة الصمت الطويل ،لعلي أذكركم بقول “تميم البرغوثي”:
يَا أُمَّتِي أَدْرِي بأَنَّ المرْءِ قد يَخْشَى المهَالِكْ
لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ فَقَطْ فَتَذَكَّرُوا
قَدْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ مِنْ قَبْلُ وَاْجْتَزْنَا بِهِ
لا شَيْءَ مِنْ هَذَا يُخِيْفُ، وَلا مُفَاجَأَةٌ هُنَالِكْ

يَا أُمَّتِي اْرْتَبِكِي قَلِيلاً، إِنَّهُ أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ،
وَقُومِي،
إنه أَمْرٌ طَبِيْعِيٌّ كَذَلِكْ.

و العقبى للشعوب المضطهدة ، فالتعقد الجامعة العربية اجتماعا طارئا !!،ولتمطرنا بشجبها واستنكارها على إرادة شعوبها ، ولنفرق الآن بين ما تستنكره وتشجبه على اسرائيل وبين ما تلقمه لشعوبها إن فتحت فاها للزاد،
ولتحيا تونس الأبيه ،الحرة الاسلامية …