دلوعة وتحب ..:: عضو مميز ::..

دخان البنفسج






وقفت " ياسمين "الفتاة الريفية اليافعة ذات البشرة البرونزية الناعمة أمام المرآة تستشعر ملامح وتغيرات بدأت تكتسبها


وتحاكي باستحياء صورتها وهي تلحظ رحيل بقايا الطفولة، ودنوها من أعتاب الأنوثة الكاملة،



عالمها الجديد والمجهول والذي لا تعرف عنه سوى أنها منعت بسببه من متابعة تحصيلها الثانوي وحتى الخروج من البيت


فلا تزور شقيقة، ولا تجالس صديقة،ولا تشعر بالاطمئنان عندما تحاكي ابنةجيرانهم التي تقاربها في السن


فأصبحت رقصات الإصبع الغاضب أمام وجهها عادة،والإصغاء للصراخ المتدفق من الحناجر لسعاً لإحساسها روتينا،


فالخوف يحاصرها ،والظن يطاردها،حتى أنها أضحت تحس الشمس ولا تراها،


وتعتقد أن القمر قصة أسطوريةاستعيض عن نوره"الخرافي " بنورالكهرباء ...




قالت في نفسها وهي تُسيّر المشط ببطء بين خصلات شعرها الأسود : ترى ماذا يخبأ لي المستقبل؟!


أحكمت أسر شعرها بالحابسات، ومدت يدها خلسة إلى زجاجة العطر الرجالي المنسية سهوا أمام المرآة، وطيرت بعضا من رذاذها على ثوبها العتيق،

فدوى صوت الأم من فناء المنزل يناديها ،
فاهتزت، وألقت ما بيدها جزعة، وهرولت حتى وصلت الفناء وانتصبت أمام أمهاطاعة ، فأنطلق اللسان بالموشح التوبيخي اليومي كالمعتاد

وانتهى بالأمر التالي:
اذهبي فزودي الأغنام بالماء والبرسيم ، ثم عودي واحلبيها،ولا تنسي تزويد الدجاج بالعلف وجمع البيض من تحتها ...
هيا تحركي...

فانصرفت ياسمين تلبي فصلا متكررا من العمل الذي لاينتهي

* * * * * * *

بالأمس القريب ، تقدم لياسمين احد شبان القرية ، تحدث مع والدتها ، فقامت الأخيرة بإبلاغ إخوتها الذين رفضوا الأمر لأسباب خفية ، ظاهرها صغر السن ، وباطنها مسؤولية البيت


هذه المرة جاء الخاطب من بعيد ،.... أحكمت الأم الأمر بدهاء ، اقتربت من ابنتها لأول مرة بهدوء، وأخذت تدغدغ عواطفها بالأحلام تارة ، وبالدموع تارة أخرى..

يا ابنتي، الزواج ستر ، والشاب مناسب

وإخوتك مهتمين بزوجاتهم وأولادهم ، وأنا أمك أحرص الناس على سعادتك......
شعرت ياسمين بلمسة حنان دافئ في كلام أمها لم تعهده من قبل،


فقالت بحروف مرتجفة : ولكن يا أمي هل أوافق على ذلك الشاب دون أن أراه ؟!!

قالت الأم : سيأتي وسترينه.....
ولكن لا تحرجيني ، عمك موافق
وأنا سأتكفل بإقناع أشقائك ...
لقد تزوجت والدك رحمه الله دون أن أراه أو أعرفه من قبل...

* * * * * * *

في تلك الغرفةالتي احتشدت فيها بعض النسوة اللواتي يتحدثن بهمس وتفاءل ، تقف ياسمين مرتبكة غارقةفي التفكير...


إلى أي مدى ستوافق ملامح هذا الخاطب الجالس في الغرفةالمجاورة ملامح فارس الأحلام ؟!


أو حتى إلى أي مدى سيكون مقبولا للنفس التواقة للخلاص من هذا الواقع؟...



حضرت الأم تحمل آنية القهوة وقالت بحزم : هيا تماسكي وادخلي ...





حاولت الصغيرة تمالك نفسها ، فحملت الآنيةوما عليها من فناجين القهوة ودخلت أصعب موقف في حياتها



...

أبصرته



فهو الشاب الوحيد بين الضيوف.... استرقت بعض النظرات إليه.... أحست بعدم الارتياح..... غلبهاحياؤها، فاندفعت محاولة الخروج ، لكن عمها أمرها بالجلوس ، فانصاعت....
تعمد العم توجيه الأسئلة للخاطب الذي راح يجيب بلغة تدل على بلاهة وقدر من التخلف... رفعت ياسمين نظرها إليه... دققت به ملياً... فتعمق الإحساس في بحر هذه اللحظات الصعبة..... إنه أبعد مما تتمنى...


ليس هذا الذي يصلح لخوض الحياة معه ،



وثبت من مكانها،وأسرعت على عجل إلى الغرفة الأخرى،


فإلتقفنها النسوة يقرأن في عيونها الكلمات الصامتة،



سألتها إحداهن : هل أعجبك ؟


ردت بوجوم: لاأدرى...


جاءت الأم وهي تردد كلمة مبروك على مسمع الجميع



دقت ياسمين قدمها بالأرض تعبيرا عن الرفض وبكت،....



زجرتها أمها بصوت خافت شديد التحذير قائلة : ستأخذينه رغماعنك..

أخفت ياسمين رأسها في الجدار وبكت بحرقة، بينما خرجت الأم تلعلع بالزغاريد ،فشرع الجميع بقرأة الفاتحة



* * * * * * *

سيقت بثوب العرس المبلل بالدموع إلى زوج رأت فيه ومنه من خصال طيلة فترة الخطبة ما باعده عن قلبها وعقلها بُعد الحلم عن الحقيقة ،


وزفت إليه زهرة ذابلة فارغة الأحاسيس،وعاشت معه أيامها الأولى في هذه الغرفة التي شهدت فرار فتاتين قبلها....



ومضى شهرالعسل بلا طعم ،



وبدأت إطلالات الجحيم بالظهور،إهانة وسيطرة واستعباد،رباعية البطولة... الأم وشقيقته وهو ،انهم خائفين من الفشل الثالث....
وإثبات الرجولة لا يأتي حسب عرفهم إلا بعد كسر انف امرأة واستباحة كرامتها........


حاولت أن تفرغ بعض ما تعانيه لأهلها خلال الزيارات الموسمية غير أنها لم تلقى آذاناً صاغية بسبب عدم السماح لها بالإنفراد بأهلها، وضياع شكواها بين المجاملات الروتينية بين الأصهار ، ومع مرور الوقت، تراكم الرفض في جوفها من وقع الواقع المهين حتى طفح ،


فانتفضت ذات يوم تطالب الدمية المسمى زوجا أن يرحمها ، فكان الجواب عصاغليظة دكت مفاصلها وختمت جلدها باللون الأزرق حتى ثارت من شدة الألم ،فدفعته عنهاحتى سقط أرضا، وولت هاربة في أزقة هذه البلدة التي لا تعرف أحدافيها،



أطلت على الشارع الرئيسي... أوقفت سيارةأجرة ، واستحلفت سائقها أن يقلها إلى قريتها على عجلة .


* * * * * * *



الشهامة عندشقيقها الأكبر أن تساق شقيقته الهاربة من جحيم زوجها وأهله من خصلات شعرها مصحوبةبأمها التي تولول من عظم هذه الفضيحة،



وصلوا إلى منزل الزوج.... وقفوا صاغرين أمام انسبائهم يرتلون عبارات الاعتذار عن جرم ابنتهم ،لكي يرضى الزوج وأهله،ويغفروا الخطيئة التي اقترفتها هذه الجاهلة....



هز الزوج رأسه قابلا اعتذارهم ، رغم أنه لم يستوعب كل ما قالوه، فأدخلوها غرفتها اللعينةوأقفلوا عائدين...

أما الزوج فقد انبرى لاجتماع عاجل مع أمه وشقيقاته الكبار للبحث والمشورة، ما هو الأسلوب الذي سيتبعونه لترميم كبريائهم الذي صدعته تلك الفتاة العائدة بقدميها إلى العقاب



والدته تكتنز من الخبرة الكثير في هذاالمجال....


أشارت عليه بعقاب يكسر النفس ويروضها ، لكن دون صوت... انه الحبس لأيام حتى ترضخ وتذعن.


* * * * * * *



أيام قضتها الحبيسة الرهينة في هذه الغرفةالصغيرة ، لا طعام ولا نوم ولا من يحدثها، فقط شجرة السرو التي تجاور فتحة السجن الصغير، مدت يدها ،فأمسكت بأغصانها الجافة وعصرتها بيدها



تذكرت طفولتها عندما كانت تجمع الحطب والقش لإيقاد النار كفعل عبثي طفولي،



فقفزت إلى تفكيرها فكرة الانتحار..

هذه الأغصان قادرة على الاشتعال، ولكن من أين سأتي بوسيلة النار ؟



انتبهت لصوت طفل يسير قرب الزنزانة التي تسكنها...



تسلقت الفتحته ممسكة بالقضبان القصيرة...


أنه براء ابن الجيران....

نادته واستحلفته أن يحضر لها علبةثقاب



كان من الصعب إقناعه بالأمر...


حاولت استمالةعقله بأن ادعت أنها تريد أن تشعل الموقد لتحضير الطعام ، وهي جائعة جداً ، ولا تجد ماتشعل به الموقد



لبى براء رغبتها على عجل ،حيث دخل منزلهم خلسة وأحضر علبة الكبريت ،



وناولها لياسمين قائلا : أعيدها لي بعد بعد أن تفرغي من استعمالها.





ابتسمت ابتسامة صفراء لم يفهمها ذلك الطفل، وشرعت بحالة من الجنون في جمع ما طاولته يدها من أغصان يابسة ، حتى غطت بها إحدى زوايا الغرفة الزنزانة


وأشعلت النار بكومة الأغصان هذه...
ثم ألقت بجسدها المعذب على النار...
فدوى الصراخ... وتراكض الجميع...
وقبل أن يفلحوا في كسر الباب ، كان الجسد الغض الجميل قد فحمته النار ،وأخفت ملامحه بالسواد الذي تفوح منه رائحة الشواء المقيت....

فتطاير الدخان البنفسجي الحزين من الروح المعذبة باهت اللون .






توقيع
قال احد السلف لأخ له :

إذا ذكرتني ادع لي ...
وإذا ذكرتك دعوت لك ...
فإن لم نلتق فكأنما قد ألتقينا ! فذلك أروع لقاء


( لا تنسوني من الدعاء :crying: )
ريحة عطر ..:: تاج المنتدى و كبار الاداريين سابقآ ::..

عورني قلبي على البنت ياريت نهايتها غير

الله ياخذ اهلها وزوجها واهله

ادري في الواقع قصص امر من كذا

ل كن مااحب اتصور ان في ام بهذي لقساوه

قصة شيقه رائعه مثيرة

تسلم الانامل على روووووووعة طرحك

توقيع
[flash=http://dc09.arabsh.com/i/02457/ewha6wuxj3q0.swf]WIDTH=420 HEIGHT=220[/flash]


شكرا لاحلا غدور في الدنيا
اميره بكلمتي ..:: مشرفة دليل للنقاش و السؤال و الجواب ::..

نهايه مؤلمه ورفض لواقع مرير ...........سلمت يداك والى الامام دوما
مزيدا من التقدم اتمناه لك

توقيع
التعامل معي كالتعامل مع المتفجرات ...الغلطه الاولى هي الاخيره :crutch:
♡ sαяσиα كبار الشخصيات

قصه رااائعهـ ومشوقهـ

نهايتها حزينهـ..

تسلم يدك على الابدااع

توقيع
قد تكون للعالم شخصا ما..وقد تكون لشخص ما كل العالم
أغ ـــانيج ..:: كبار الاداريين ::..

دلوعه وتحب قصه راااااااااااائعه

وسرد راقي وجميل للأحداث

ربما ان النهاية حزينه ولكنها تظل ذنب اشخاص يقال لهم الاسره

اكرك لى طرحها غلاتي

تقبلي مروري

توقيع
الحب دعاااااء
فمن يحمل في قلبه حبا لي ...
فليذكرني بدعوه ,,
يعلم الله كم احتاجها :111:
سامحوني على الغياب
ظروفي لا تسمح لي بدخول المنتدى هذه الفتره
وسامحوني ان طاال هذا الغياب ولم اعد

Powered by: vBulletin
 ©2000 - 2024, Enterprises Ltd.
المنتدى برعاية مميزون العرب للخدمات الرقمية
www.z777z.com
Adsense Management by Losha
( جميع مايكتب يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يحمل وجهة نظر الموقع يعبر عن كاتبها فقط )
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية
جميع الحقوق محفوظة زوجــي و زوجتــي عالم الحياة الزوجية